الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        فصل .

        351 - فأما القول الضابط في كلي المصارف فأقول : من يرعاه الإمام بما في يده من المال ثلاثة أصناف : صنف منهم محتاجون ، والإمام يبغي سد حاجاتهم ، وهؤلاء معظم مستحقي الزكوات في الآية المشتملة على ذكر أصناف المستحقين : قال الله - تبارك وتعالى - : ( إنما الصدقات للفقراء ) الآية . وللمساكين استحقاق في خمس الفيء والغنيمة كما [ ص: 245 ] يفصله الفقهاء ، فهؤلاء صنف من الأصناف الثلاثة .

        352 - والصنف الثاني : أقوام ينبغي للإمام كفايتهم ، ويدرأ عنهم بالمال الموظف لهم حاجتهم ، ويتركهم مكفيين ، ليكونوا متجردين لما هم بصدده من مهم الإسلام . وهؤلاء صنفان : أحدهما : المرتزقة ، وهم نجدة المسلمين وعدتهم ، ووزرهم وشوكتهم ، فينبغي أن يصرف إليهم ما يرم خلتهم ، ويسد حاجتهم ، ويستعفوا به عن وجوه المكاسب والمطالب ، ويتهيأوا لما رشحوا له ، وتكون أعينهم ممتدة إلى أن يندبوا فيخفوا على البدار ، وينتدبوا من غير أن يتثاقلوا ، ويتشاغلوا بقضاء أرب ، وتمهيد سبب ، وغرضنا الاكتفاء بتراجم كلية في التقاسيم .

        والفقهاء يستقلون بإيضاح التفاصيل ، فهؤلاء صنف من الصنفين المذكورين آخرا .

        والصنف الثاني : الذين انتصبوا لإقامة أركان الدين [ ص: 246 ] وانقطعوا بسبب اشتغالهم واستقلالهم بها عن التوسل إلى ما يقيم أودهم ، ويسد خلتهم ، ولولا قيامهم بما لابسوه لتعطلت أركان الإيمان .

        فعلى الإمام أن يكفيهم مؤنهم ، حتى يسترسلوا فيما تصدوا له بفراغ جنان ، وتجرد أذهان ، وهؤلاء هم : القضاة ، والحكام ، والقسام ، والمفتون ، والمتفقهون ، وكل من يقوم بقاعدة من قواعد الدين ، يلهيه قيامه عما فيه سداده وقوامه .

        فأما المرتزقة ، فالمال المخصوص يعم أربعة أخماس الفيء .

        والصنف الثاني : يدر عليهم كفايتهم وأرزاقهم من سهم المصالح .

        وقد أتى مساق التقسيم على صنفين من الأصناف الثلاثة المتقدمين .

        353 - والصنف الثالث : قوم تصرف إليهم طائفة من مال بيت المال على غناهم واستظهارهم ، ولا يوقف استحقاقهم على سد حاجة ، ولا استبقاء كفاية ، وهم بنو هاشم ، وبنو المطلب المسمون في كتاب الله ذا القربى . فهؤلاء يستحقون سهما من [ ص: 247 ] خمس الفيء والغنيمة من غير اعتبار حاجة وكفاية ، عند الإمام الشافعي - رحمه الله .

        وقد شهدت بصحة مذهبه الأخبار الصحيحة ، والنصوص الصريحة ، وسير الخلفاء ، ومذاهب العلماء ، قبل ظهور اختلاف الآراء .

        فهذه جمل في مصارف أموال بيت المال ، يليق بالإيالة العظمى حفظها .

        وقد انتهى الغرض في هذا الفن .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية