الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        36 - فالذي يقتضيه الترتيب إيضاح الرد على أصحاب النص ، ثم اتباع ما عداه من الآراء بالتنقير والفحص ; فنقول :

        النص الذي ادعيتموه ، ونظمتم به عقودكم ، وربطتم به مقصودكم ، بلغكم استفاضة وتواترا ، من جمع لا يجوز [ ص: 31 ] منهم في مستقر العادات ، ومستمر الأوقات ، التواطؤ على الكذب ؟ أم تناقله معينون من النقلة ؟ واستبد به مخصوصون من الحملة ؟ .

        فإن زعموا أنه منقول تواترا على الشرائط المذكورة في الاستفاضة أولا ، ووسطا ، وآخرا ، فقد ادعوا عظيمة في مجاحدة البدائه والضرورات ، وانتهوا من البهت والعناد إلى منتهى الغايات .

        وقيل لهم : كيف اختصصتم وأنتم الأذلون الأقلون بهذا الخبر دون مخالفيكم ، وكيف انحصر هذا النبأ فيكم ، مع استواء الكافة في بذل كنه المجهود ، في الطلب والتشمير ، والتناهي في ابتغاء المقصود ، واجتناب التقصير ؟ ولو ساغ اختصاص قيام أقوام بدرك خبر شائع ، مستفيض ذائع ، لجاز أن يختص بالعلم بأن في الأقاليم بلدة تسمى ( بغداد ) طوائف مخصوصون ، مع تماثل الكافة في البحث عن المسالك ، والأقاليم والممالك .

        وبم ينكرون على من يزعم أنه - عليه السلام - نص على أبي بكر نصا منتشرا في الأقطار ، مطبقا للخطط والديار ؟ .

        [ ص: 32 ] 37 - ولسنا نذكر ذلك للاختيار والإيثار ، ولكن المذاهب الفاسدة ، والمطالب الحائدة ، إذا تعارضت تناقضت ، وترافضت ، وبقي الحق المبين ، والمنهج المتين ، أبلج لائحا لأهل الاسترشاد ، وطاحت مسالك العناد .

        38 - وإن زعموا أن النص نقله آحاد ، استبان على الارتجال والبديهة خزيهم ، واستوى إثباتهم ونفيهم ، فإن الآحاد لا يعصمون عن الزلل ، بل يتعرضون لإمكان الخطأ والخطل ، فنقلهم لا يقتضي العلم بالمخبر عنه قطعا . فليت شعري كيف علموا النص على القطع مع تجويز خطأ ناقله ، وترجيم الظنون في حامله ؟ ، ثم لا يسلمون عن معارضتهم بنقيض ما اتخذوه معتصمهم من ادعاء النص على أبي بكر ، أو العباس وغيرهما - رضي الله عنهم - . فقد انحلت شكائمهم ، ووضحت أكاذيبهم وعظائمهم ، ومساق هذه الطريقة يشير إلى الرد على من يجنح عن مسلك الحقيقة .

        39 - فإن قيل : غايتكم فيما قررتموه وكررتموه ، الرد على من يدعي العلم ، فإن سلم لكم ما رمتموه ، واستتب لكم ما نظمتموه ، من إبطال مذهب الخصم ، فعليكم وراء ذلك طلبة حاقة ، ليس لكم بها قبل وطاقة .

        [ ص: 33 ] وهي أن يقال لكم : أنتم قاطعون بانتفاء النص ، فبم أدركتم حقيقة الانتفاء ؟ وكيف ترقيتم عن مخالجة الشك ، والمراء إلى هذا الادعاء ؟ فأنتم في دعوى النفي ، ومن ادعى الإثبات على سواء ، وإذا استوى المسلكان ، وتشاكلت جهات الإمكان ، فسبيل الإنصاف والانتصاف اجتناب القطع في النفي والإثبات على جزاف .

        40 - قلنا الآن نحملكم بالبرهان الأوضح على سلوك اللقم الأفيح ، ونستاقكم إلى المحجة الغراء بالحجة البيضاء ، فليعلم المسترشد أن الذي دفعنا إليه متلقى من اطراد العادات واستمرارها ، وجريانها على القضايا المألوفة المعروفة واستقرارها ، فمما اطرد به العرف على مكر الأيام ، وممر الأعوام ، أن النبأ العظيم ، والخطب الجسيم ، وما يجل خطره ، ويتفاقم وقعه في النفوس وغرره ، تتوفر الدواعي على اللهج بصدقه وذكره ، والاعتناء بنشره وشهره ، والاهتمام بأمره لعلو منصبه وقدره .

        ووضوح هذا يغني عن بسط المقال ، وضرب الأمثال ، فلو حل [ ص: 34 ] سلطان الوقت بقعة من البقاع ، وقدم بعض الأصقاع محفوفا بالأتباع ، مكنوفا بالأشياع ، في جيشه العرمرم ، وموكبه المعظم ، لاستحال أن ينقل ذلك آحادا ، أو يستبد بدركه فئة استبدادا . فيالله للعجب ! ! لم يخف ابتعاث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولاته وسعاته ، وندبه لجمع مال الله جباته ، فشاع توليته معاذا وعتاب بن أسيد ، ومن سواهما ، ووقعت توليته عليا عهد الإمامة في المتاهات ، وظلمات العمايات . هيهات هيهات ! !

        التالي السابق


        الخدمات العلمية