الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        106 - فأما الصفات اللازمة ، فمنها النسب ; فالشرط أن يكون الإمام قرشيا ، ولم يخالف في اشتراط النسب غير ضرار بن [ ص: 80 ] عمرو ، وليس ممن يعتبر خلافه ووفاقه ، وقد نقل الرواة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " الأئمة من قريش " وذكر بعض الأئمة أن هذا الحديث في حكم المستفيض المقطوع بثبوته ; من حيث إن الأمة تلقته بالقبول .

        107 - وهذا مسلك لا أوثره ، فإن نقلة هذا الحديث معدودون ، لا يبلغون مبلغ عدد التواتر .

        والذي يوضح الحق في ذلك أنا لا نجد في أنفسنا ثلج الصدور ; واليقين المبتوت بصدر هذا من فلق في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما لا نجد ذلك في سائر أخبار الآحاد ، فإذا لا يقتضي هذا الحديث العلم باشتراط النسب في الإمامة .

        108 - فالوجه في إثبات ما نحاوله في ذلك أن الماضين ما زالوا بايحين باختصاص هذا المنصب بقريش ، ولم يتشوف قط أحد من غير قريش إلى الإمامة ، على تمادي الآماد ، وتطاول الأزمان ، مع العلم بأن ذلك لو كان ممكنا ، لطلبه ذوو النجدة والبأس ، وتشمر في ابتغائه عن ساق الجد أصحاب العدد والعدد ، وقد بلغ طلاب الملك في انتحاء الاستعلاء على البلاد ، والعباد أقصى غايات [ ص: 81 ] الاعتداء ، واقتحموا في روم ما يحاولونه المهاوي والمعاطب والمساوئ ، وركبوا الأغرار والأخطار ، وجانبوا الرفاهية والدعة والأوطان ، فلو كان إلى ادعاء الإمامة مسلك ، أو له مدرك ، لزاوله محقون ، أو مبطلون من غير قريش ، ولما اشرأب لهذا المنصب المارقون في فسطاط مصر ، اعتزوا أولا إلى شجرة النبوة على الافتراء ، وانتموا انتماء الأدعياء ، وبذلوا حرائب الأموال للكاذبين النسابين ، حتى ألحقوهم بصميم النسب .

        فهذا إذا ما تطابقت عليه مذاهب طبقات الخلق ، وقد تصدى للإمامة ملوك من قريش ، وإن لم يكونوا على مرتبة مرموقة في العلم ، والسبب فيه أن العلم يدعيه كل شاد مستطرف ، فإذا انضمت أبهة الملك إلى قليل من العلم ، لم يستطع أحد نسبة الملك إلى العرو عن العلم ، والنسب مما لا يمكن ادعاؤه ; فلم يدع - لذلك - الإمامة من ليس نسيبا .

        فهذا وجه إثبات شرط النسب .

        109 - ولسنا نعقل احتياج الإمامة في وضعها إلى النسب . ولكن خصص الله هذا المنصب العلي ، والمرقب السني بأهل بيت [ ص: 82 ] النبي ; فكان من فضل الله يؤتيه من يشاء .

        110 - ومن الصفات اللازمة المعتبرة : الذكورة والحرية ، ونحيزة العقل ، والبلوغ ، ولا حاجة إلى الإطناب في نصب الدلالات على إثبات هذه الصفات .

        [ ص: 83 ] 111 - ومما يلتحق بهذا القسم : الشجاعة والشهامة ، وهي خطة علية ، ولا يصلح لإيالة طبقات الخلائق ، وجر العساكر والمقانب ، وعليات المناصب جبان خوار .

        وهذه الصفة يبعد اكتسابها بالإيثار والاختيار ، وإن كان قد يفيد كثرة مصادمة الخطوب ، وممارسة الحروب مزيد إلف ، ومزية إقدام ، إذا صادفت جسورا مقداما ، ومن فطر على الجبن واستشعار الحذر لا يزداد على طول المراس إلا فرط الخور ، ثم الشهامة مرعية مع كمال العقل ، ولا يصلح مقتحم هجام لهذا الشأن . وهذا المنصب إلى الرأي أحوج منه إلى ثبات الجنان .

        [ ص: 84 ] والرأي قبل شجاعة الشجعان هو أول وهي المحل الثاني .

        هذا منتهى الغرض في الصفات اللازمة .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية