الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        467 - فلو اشتمل الزمان على طائفة صالحين للإمامة فاستولي واحد منهم على البلاد والعباد ، على قضية الاستبداد ، من غير اختيار وعقد ، وكان المستظهر بحيث لو صادفه عقد مختار ، لانعقدت له الإمامة . فهذا القسم قد يعسر تصوره .

        [ ص: 325 ] 468 - ونحن نقول فيه : إن قصر العاقدون فيه وأخروا تقديم إمام ، فطالت الفترة ، وتمادت العسرة ، وانتشرت أطراف المملكة ، وظهرت دواعي الخلل ، فتقدم صالح للإمامة داعيا إلى نفسه ، محاولا ضم النشر ، ورد ما ظهر من دواعي الغرر ، فإذا استظهر بالعدة التامة من وصفناه ، فظهور هذا لا يحمل على الفسوق والعصيان والمروق ، فإذا جرى ذلك ، وكان يجر صرفه ونصب غيره فتنا ، وأمورا محذورة ، فالوجه أن يوافق ، ويلقى إليه السلم ، وتصفق له أيدي العاقدين .

        وهل تثبت له الإمامة بنفس الاستظهار والانتداب للأمر ؟ ما أراه أنه لا بد من اختيار وعقد ، فإنه ليس متوحدا فنقضي بتعين الإمامة له .

        وثبوت الإمامة من غير تولية عهد من إمام أو صدور بيعة ممن هو من أهل العقد أو استحقاق بحكم التفرد والتوحد كما سبق - بعيد .

        [ ص: 326 ] 469 - [ وقد ] قال بعض أئمتنا إذا عسرت مدافعته ، وفي استمراره على ما تصدى ( 173 ) له توفية لحقوق الإمامة ، فيتعين تقريره ، وإذا تعين الأمر لم يبق للاختيار اعتبار ، فإن الاختيار إنما يفرض له أثر إذا تقابل ممكنان ، ولم يكن أحدهما أولى من الثاني ، ولم يتأت الجمع بينهما ، فيعين الاختيار أحد الجائزين .

        فالاستظهار مع تعذر المعارضة والمناقضة يتضمن ثبوت الإمامة .

        والمرضي عندنا المسلك الأول فيجب العقد له ، لما فيه من تقرير غرض الإمامة ، وإقامة حقوقها ، وتسكين الفتنة الثائرة وتطفية النائرة ، وعلى ذلك بايع الحسن والحسين - رضي الله عنهما - معاوية - رضي الله عنه - لما رأياه مستقلا ، وعلما ما في مدافعته من فنون الفتن ، وضروب المحن .

        470 - وغائلة هذا الفصل في تصويره ، فإن الذي ينتهض لهذا الشأن لو بادره من غير بيعة وحاجة حافزة ، وضرورة مستفزة ، أشعر ذلك باجترائه ، وغلوه في استيلائه ، وتشوفه إلى استعلائه ، وذلك يسمه بابتغاء العلو في الأرض بالفساد .

        [ ص: 327 ] 471 - ولا يجوز عقد الإمامة لفاسق ، وإن كانت ثورته لحاجة ثم زالت وحالت ، فاستمسك بعدته محاولا حمل أهل الحل والعقد على بيعته ، فهذا أيضا من المطاولة والمصاولة ، وحمل أهل الاختيار على العقد له بحكم الاضطرار ، وهذا ظلم وغشم يقتضي التفسيق .

        فإذا تصورت الحالة بهذه الصورة ، لم يجز أن يبايع ، وإنما التصوير فيه إذا ثار لحاجة ، ثم تألبت عليه جموع لو أراد أن يتحول عنهم لم يستطع ، وكان يجر محاولة ذلك عليه وعلى الناس فتنا لا تطاق ، ومحنا يضيق عن احتمالها النطاق ، وفي استقراره الاتساق والانتظام ، ورفاهية أهل الإسلام ، فيجب تقريره كما تقدم .

        472 - والمختار أنه وإن وجب تقريره ، فلا يكون إماما ، ما لم تجر البيعة ، والمسألة في هذا الذي ذكرناه مظنونة ، والمقطوع به وجوب تقريره .

        [ ص: 328 ] هذا كله في استيلاء من هو صالح لمنصب الإمامة ، وهو قسم واحد من الأقسام الثلاثة المرسومة في صدر الباب . .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية