الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
أين تقع قضية المرأة؟

ويمكن وضع قضية المرأة عندنا في هذا المربع، فالبعض يرى في تحررها الجنسي وتعريها، واختلاطها ودفعها الرجال بالمناكب، يرى في ذلك أعظم تحرر، بل رمزا لتحدي القيم والأخلاق، والغرب اليوم يدفع بكل قوة في هذا الاتجاه المشبوه. [ ص: 125 ]

ومطلوب من كل عاشق للشهرة وثائر، أن يدعي الحرص على قضية المرأة، وأنه رمز من رموز الدفاع عنها.. ومن مستلزمات النجومية أن يهاجم الإسلام وعقائده، والمسلمين وأصوليتهم، وأن يهاجم المحرمات ويتجاوز المقدسات، وصار كل من يؤمن بالأخلاق والقيم متهما وعدوا للتحضر، يكفر وطنيا، ويهمش بحجة أن نياته غير سليمة، ويجري التحريض ضده على مختلف المستويات، وقد تكون كل جريمته أنه يؤمن بالقيم، ويتمسك بها، ويدعو لها.

وكما يستأسد البعض، كذلك يفعل بعض أصحاب السلطان، فهم يبيحون لأنفسهم كل ما ينكروه على غيرهم، ويستعملون القوة ويفرطون فيها - من غير حاجة أحيانا - يخرقون القانون، على حين يطالبون الكل باحترامه!

إن الكثير من الدول تمارس العنف والضغط والإكراه بكل ما تمتلك من قوة، في ذات الوقت الذي تتهم جماعات بفعل ذلك [ ص: 126 ] "إن جوهر العدمية الأخلاقية - أي مضمونها - واحد في الدولة والمجتمع، إنه إلغاء لفكرة الواجب، وهو المبدأ الذي يتجاوز المصلحة المباشرة والفردية، ليعكس تسامي الإنسان، أو قدرته على الالتزام تجاه "الغير" والتضحية في سبيلهم، وما الشعور بالواجب إلا ثمرة للشعور بشرف الانتماء إلى الجماعة وبالرغبة في التماهي معها فإذا عجز الإنسان عن الالتزام الجماعي أباح لنفسه كل ما استطاع أن يحرمه على غيره، ولا شك أن المجتمع القائم على المصالح والأنانية، لا يمكن أن يعرف الواجب والمسئولية والتضحية" [1] فإذا سقط الواجب والتضحية فلا بد أن يسود المجتمع شريعة الغاب، حيث الحق للقوة، ولا مكان للضعيف، وحيث لا يشعر المنتصر القوي بأي حرج من السيطرة على الثروة، وحرمان الآخرين.

إذا فقدت القيم

هنا يجأر النسا بالشكوى من غياب الأخلاق وفقدان القيم، فينفجر النزاع ويتصاعد العنف فيتشقق المجتمع، وتفقد الحياة معناها وطعمها، وإذن "لا يمكن للمجتمع المدني أن يقوم بدون نظام أخلاقي لكن ما هو أصل ومصدر الفكرة المترسخة في الوعي العربي الحديث، حول نسخ العلم والحضارة العلمية عامة للأخلاق، كمنظومة اجتماعية؟

كيف جرت عقلنة هذا النسخ حتى أصبح انعدام الأخلاق يعني التقدم؟

في اعتقادنا أن مصدر هذه الفكرة، هي الفلسفة الوضعية والسوقية، التي ترى في العلم هدفا لكل تقدم، وأنه النمط الأعلى، أو المرحلة الأخيرة لتطور الوعي البشري، وأن هذا التطور قد قضى على كل أشكال الوعي الأخرى، [ ص: 127 ] أو حل محلها، فأصبح في الوقت نفسه علما وأخلاقا وأدبا، فكل ما ليس بعلمي أو لا يمت إلى العلم بصلة، فهو من بقايا الماضي، ومن مخلفات الفكر اللاهوتي والميتافيزيقي والأيدلوجي والفلسفي، ولذا لا بد أن يزول لأنه رمز التخلف وعقبة أمام انتصار الإنسانية النهائي، فالعلم قد جب ما قبله، ولذا فإنه من المنطقي أن تصبح إزالة الأخلاق رمزا للتقدم" [2] إن الحكم على زوال الأخلاق بجرة قلم تشبه إلى حد موقف اليهود حين اكتشفت القارة الأمريكية، فقد سارعوا للقول: لا توجد قارة جديدة، لأن التوراة تنفي ذلك!

إن العقلية العربية "الحداثية" تبدو معجبة حتى العظم بهذا التوجه، ومسرورة له أعظم السرور.. "لقد جذبت هذه الفكرة بقوة الوعي العربي، لأنها كانت تقدم له - في الحقيقة - مبررا وحجة عقلية مقبولة، للاندفاع في تدمير المدنية العربية، التي أصبحت غريبة على التاريخ الحديث، وذلك بهدف الاندماح في الحضارة، وليس هذا التدمير إلا استجابة تلقائية لنظام "الغلبة الصاعد"، وتأكيدا على توسع نفوذه" [3] وأحسب أن تطور العلم والمعرفة، لا يلغي حاجة المجتمع لنظام القيم والأخلاق، بل يستدعيها ويطلبها، لتضبط حركته ولا تسمح بالتفكك والتشرذم. [ ص: 128 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية