الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
3- المعرفة بالكون

سبق في بداية هذا الكتاب، أن تحدثت عن الكون، وموقف المسلم منه، وأريد هنا التركيز على الجانب المعرفي للكون، فهو كتاب مفتوح، وأثر عظيم من آثار الله تعالى المنظورة والمحسوسة.. أما الوحي فهو الكتاب المقروء والمعجز، ولذا فلدينا كتابان: منظور مشاهد، ومتلو مبارك.

والدارس لكتاب الله يكسب العلم بالدين، والمتأمل في الكون يتحصل على علم عظيم، فدقة صنع الكون وعظمته، تدل على عظمة خالقه، وهو من آيات "الآفاق"، ودراسته ومعرفة السنن التي تضبط حركته توصل إلى الإيمان العميق بالله، وعظيم قدرته.

إن الكون توصل إلى الإيمان وسخره للإنسان،

قال تعالى: ( ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ) (لقمان: 20) .

وهذا التسخير كي يكون على الوجه الأكمل، فلا بد من معرفة جيدة بالكون وسننه، والقوانين التي تضبطه، لينتقل الإنسان من العلم بأوجه التطبيق والترابط، إلى النواميس التي تحكم الكون، كي يستثمره الاستثمار الأفضل والأنفع، وكي تتقى المضار والأخطار والكوارث الطبيعية، وكذلك تنمية الثروات الكونية على الأرض [ ص: 92 ] والبحار والجو، وإيقاف الاستنزاف لتلك الثروات.

إن الغرب يقف من الكون موقفا معاديا، وعبارة قهر الطبيعة تتردد كثيرا، وكذلك فإن الاحترام للصناعة وأهلها، وكل ما هو غير صناعي فلا يستحق الاحترام، وقد تقدم هذا في بحث الكون، وما قاله عالم الاجتماع أريك فروم .

ولعل من الثمار المرة لهذه النظرة تلوث البيئة، وحصول ثقب الأوزون، وارتفاع حرارة الأرض والمحيطات، وربما سنكتشف أن رش المبيدات هو المسبب للكثير من أمراض السرطان، وربما كان للتفجيرات النووية وأمثالها، التأثير الكبير على ثوران البراكين، أو كثرة الزلازل.

إن الإنسان في الغرب يلوث البيئة، ويستهلك خيراتها، بأضعاف ما يفعله الإنسان في الهند مثلا.

وقد وجدت الشيخ سعيد النورسي يرحمه الله، يتحدث عن الطبيعة، فيصفها بأوصاف جميلة، حتى كأنه شاعر صوفي [1] : الطبيعة صنعة إلهية وليست بصانع، كتاب رباني وليست بكاتب، نقش ولا يمكن أن يكون نقاشا، دفتر وليست (دفتردار) قانون وليست قدرة . [ ص: 93 ]

يعود مرة أخرى للطبيعة، فيقول [2] : " إن الطبيعة ليست طابعا بل مطبعة، وليست نقاشا بل نقشا، وليست فاعلة بل قابلة، وليس مصدرا بل قانونا، إن الطبيعة شريعة إلهية "، الطبيعة شريعة إلهية، تدل على خالقها، هذا صنع الله فأروني ماذا صنع الذين كفروا؟

التالي السابق


الخدمات العلمية