الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
الولاء والشعور الأخلاقي

ومن المعروف أن الشعور الأخلاقي مثل الولاء، لا يمنح عن طريق الأوامر، ولا عن طريق استعمال القوة، وإنما هو يتطور مع الزمن، ويعكس علاقات الأخوة والتضامن والتوادد، والدين هنا يعتبر أكبر عامل ومنبع للأخلاق، ولكن ذلك ليس تلقائيا، إذ لا بد من وجود عقيدة جامعة تجمع الكل، وإطار للتعاون والتضامن، فإذا صار الدين عقيدة باردة وصارت الأخوة مجرد كلام تلوكه الألسن، كما يحدث اليوم ببعض البلاد العربية والإسلامية، وصار التضامن مجرد عواطف، فإن الشعور الأخلاقي يمكن أن ينحدر وينام.

من الأمور المنغرسة في فطرة الإنسان، ميله لأخيه الإنسان، وحبه للتعرف عليه:

( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ) (الحجرات: 13) ..

وإذا خلق الله الشعوب مختلفة لتتعارف، فإن النظم الاستبدادية جعلتها تتعارك وتتصارع، وبعض الدول تعجز عن إطعام شعبها وتطلب المعونات، وفي ذات الوقت تنفق الملايين على حروب طاحنة لا تبقي ولا تذر، متوخمة أن ذلك يحقق المجد الشخصي لها. [ ص: 140 ]

إن النظام الاجتماعي قد يعمل على تنمية العلاقات والشعور الأخلاقي، لكنه قد يفعل العكس، فيغتال ذلك، حين يكون النفخ في فئة أو جماعة، فتشعر أنها شعب الله المختار، وأن من سواها ليسوا أكثر من بهائم أو أنجاس، إن هذا النفخ وهو اليوم قائم بأكثر من بلد وشعب يقتل الشعور الأخلاقي، ويغطي على التضامن والمحبة، ويؤدي إلى تقسيم المجتمع إلى طبقات متصارعة، فتغتال المواطنة، كما يقتل الولاء.. إن منابع ومصادر الأخلاق في الأمم يستحيل تغييرها متى نشاء، وكما نشاء، لأنه يجب أن يتبدل بنياننا الثقافي، وهذا صعب للغاية.. الإنسان يبدل ملابسه بسهولة، ويغير بيته وأثاثه، وحتى جنسيته، لكنه لا يستطيع أن يغير أخلاقه بنفس السهولة، وعلى تجار الحداثة أن يعلموا ذلك جيدا، ليكفوا علن وهم قلع الأمة من جذورها، ونقلها إلى ثقافة أخرى، وخلق جديد، وقيم جديدة.. إن قلع الجبال أيسر من تحويل ولاء الإنسان، وأيسر من تغيير قناعاته الأخلاقية، والتنازل عن قيمه الأساسة.

التالي السابق


الخدمات العلمية