الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
الإسلام.. حبل النجاة أم سبب التخلف؟

في مجلس جمع بعض المثقفين وأساتذة في إحدى الجامعات العربية، وبعد أن شرق الحديث وغرب، جاءوا على ذكر نظام عربي، فقال بعضهم: إنه إسلامي أكثر من اللازم، ومتزمت أكثر من المعقول، وجاء الرد، بل هو إسلامي "قشرا" وغير مقبول فعلا.. هذه المفارقة في وصف نظام معين، بأنه إسلامي أكثر من اللازم، وأنه في نظر آخرين ليس إسلاميا بما فيه الكفاية، يذكرني بانقسام بعض مجتمعاتنا انقساما عموديا حادا. منذ سنوات قامت شركة خليجية بشراء قطعة أرض كبيرة لبناء مساكن أساتذة جامعيين بناء على طلب [ ص: 138 ] من الأساتذة، وبعد الشراء وتقسيم الأرض، رفض أساتذة إحدى الجامعات أن يسكنوا قريبا من الأساتذة الآخرين، وانتهى المشروع كليا إلى الفشل، وعرضت الأرض للبيع.

هذه صورة أخرى لانقسام داخل مجتمعنا، لا يبشر بخير، ولن يتحرك مجتمعنا، والبعض ضد الآخر بهذه الصورة.. "ولعل هذا ما يفسر الموقف الانفعالي للعرب مع الإسلام، وانقسامهم بين التمسك بكل ما يمت إليه بصلة حتى لو لم يكن من صلب الدين، وبين الوقوف ضد كل ما يشير إليه دون تمييز! والأصل في ذلك أنه مازال المصدر الأول للأخلاق، في الوقت الذي تتحول فيه الأخلاق إلى الملجأ الأخير لإنسانية عربية، خانها التاريخ، وانحدرت بها المؤسسات القانونية والسياسية والاقتصادية.. فهو بالنسبة للبعض " خشبة الخلاص الوحيدة"، وهو بالنسبة للبعض الآخر العائق الرئيس، أمام الانعتاق والتحرر من كل قيد، ومن كل التزام جماعي.

ويعكس الموقف الانفعالي أزمة التربية العربية ومأزقها، ويطرح سؤالا أساسا وخطيرا: من أين يأتي الإطار المرجعي لمنظومة القيم التي تنظم سلوك الناس، وتحدد ولاءهم في مجتمع معين؟ وهل من الممكن اختيار هذا المرجع، او هل هو مسألة اختيار، أم هو ثمرة لتطور موضوعي وتاريخي للثقافة القومية ذاتها، وأحد إبداعاتها؟ هل يكفي مثلا أن ينادي مسؤول أو مثقف بأهمية هذه القيمة الفكرية والاجتماعية أو تلك، حتى تصبح مقدسة؟ وهل يمكن إسناد المنظومة الأخلاقية إلى إرادة حاكم أو مشرع، أو إلى الإرادة بشكل عام؟ [ ص: 139 ]

إن ما يحصل في المجتمعات النامية من تبديد في الأرواح والثروات، واختلاس وتلاعب بالمصالح العامة، وبحصر الجماعات وحياتها، يبين إلى أي حد يؤدي انحلال السند الروحي للأخلاق إلى فقدان الرادع الذاتي" [1]

التالي السابق


الخدمات العلمية