الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
من أزمتنا: تدمير القديم.. ولا جديد

إذا كان المجتمع قادرا على هدم القديم، أي قديم، وبناء جديد مكانه، فتلك سنة الحياة، أن يتنحى القديم ليوسع للجديد، ولكن أن تهدم شيئا ثم تعجز عن بناء جديد مكانه، فذلك فشل، بل نكبة. [ ص: 133 ]

يقول د. غليون [1] : "إن فهم الأزمة الأخلاقية التي يعيشها المجتمع العربي، والتي تتجسد بنظرنا في عجز التحديث عن تقديم إمكانية لنشوء "أخلاق عقلية"، في الوقت الذي يدمر فيه بانتظام السند الديني للأخلاق، يرجع ذلك إلى أسباب نابعة من طبيعة الحداثة نفسها، وإلى أسباب أخرى نابعة من الثقافة العربية ومن العلاقة الخاصة التي تربط بين الدين والمجتمع.

فبعكس ما حصل في الغرب، فقد نجح الإسلام منذ أيامه الأولى، في أن يوحد بين الدين كمصدر لأخلاق فردية خاصة، وبين الشريعة كمصدر لنظام اجتماعي سياسي مدني، ولعل ذلك راجع إلى أن الإسلام استطاع منذ البداية أن يوفق بين حاجات الحرية الشخصية، وحاجات بناء السلطة، ولم يضطر إلى إحداث القطيعة بينهما، وهكذا تطورت وبشكل مواز، ودون تناقض يذكر، النزعات الروحية والصوفية مع المنظومة الفقهية التي حاولت أن تستوعب التغييرات الاجتماعية وتفتح باب التأويل والتفسير، والاجتهاد العقلي.

وباختيار، لم يحصل في هذه التجربة ما يدعو للفصل العميق، بين الجهد العقلي الإنساني الروحي والوحي الإلهي، بل اعتبر هذا الجهد، متمما للآخر، وموافقا له، ون هنا استنتج المسلمون إن الإسلام "دين ودنيا".

والواقع أن الأديان لا تختلف فيما بينها حول اهتمامها بالروحي والمادي، بالفردي والعام معا، ولكن مضمون التجربة الإسلامية الأساس، هو نجاح [ ص: 134 ] الإسلام إلى وقت قريب، في التوفيق بين مقتضيات الدين والدنيا، أي في تطوير المسائل الأخلاقية والسياسية والقانونية التي تواجه الجماعة المدنية، على قاعدة من السند الديني، ولم يضطر من أجل حفاظه على الدنيا، وتحقيق مكتسباته المدنية، إلى التخلص من الدين، أو شن حرب شاملة عليه، كما حصل في المجتمع الأوروبي، ولهذا لم تظهر العلمانية كمطلب أساسي في إيديولوجية التقدم الحديث الأولى..." .

وينبغي التذكر جيدا أن حداثتنا العقلية تتلمذت على الغرب، لكنها جاءت مسخا، بل نسخة مزورة، فحداثة الغرب ثورة روحية عقلية،ـ وحداثتنا ثورة على الإسلامي تحديدا، وهروب من الأخلاقي إلى المحرم، ومصارعة "دونكتشيه" ينقصها المبرر.. خاض الغرب معركة شرسة ضد الكنيسة، أما نحن فليس لدينا كنيسة ولا معركة معها.. فما طبيعة معركتنا، وطبيعة معركة الغرب؟

التالي السابق


الخدمات العلمية