الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
الإنسان والعلوم

يمكن القول: بأن ثمة علوما مصدرها النص، وأخرى الكون، [ ص: 33 ] فكل ما يتعلق بالله تعالى وصفاته وكتبه ورسله، واليوم الآخر وما يحدث فيه، وكل ما يتعلق بالعالم غير المرئي مثل الملائكة، والعبادة وكيف تؤدى، كل ذلك تفضل الله به على العباد، فجلاه تجلية تامة.. وأما علوم الحياة، مثل الزراعة والكيمياء والفيزياء والهندسة والطب والفلك، فقد ترك أمرها للإنسان ليعمل فيها فكرة، وعن طريق التجربة والخطأ كشف الإنسان الكثير من العلوم.

وإذن فهناك دائرتان، والخلط بينهما يوقع الإنسان في مشاكل هو في غنى عنها، فإلإنسان بعقله المجرد لا يمكن أن يعرف ذات الله تعالى ولا صفاته، ولا ما أنزل من كتب وبعث من رسل، ولا ماذا سيحدث بعد الموت، كما لا يعرف كيف يعبد الله تعالى عبادة صحيحة، يرضى عنها الله تعالى، ويأجره على فعلها.. لكنه كشف أو استطاع أن يكشف الكثير من قوانين وسنن الكون.

وقد سقطت الكنيسة الكاثوليكية في خطأ قاتل، حين خلطت بين الدائرتين، فنسبت بعض علوم الحياة لله تعالى، واعتبرت كل من يخالفها مهرطقا:، وعرضته على محاكم التفتيش السيئة السمعة والصيت، حتى كره الناس الدين وألحدوا.

فقضية مثل "كروية الأرض " من علم الفلك، ولا صلة لها بالدين وعلومه، لكن الكنيسة بقيت قرونا ترفض كروية الأرض [ ص: 34 ] وحركتها.. وليس في نصوص الدين شيء يقول بذلك، وإن وجد فمشكوك بصحته، كما رفضت وجود الجراثيم. وقد ذكرت الكاتبة الألمانية " زغريد هونكه " أمثلة من عقائد الكنيسة، مثل [1] : "ملعون من يقتنع أو يقبل تفسيرا علميا لحوادث الطبيعة، خارجا عن طاعة الرب، ومن يشرح أسبابا طبيعية لبزوغ كوكب أو فيضان نهر، بل لمن يعلل علميا شفاء قدم مكسور أو إجهاض امرأة، فتلك كلها عقوبات من الله، أو من الشيطان، أو معجزات أكبر من أن ندرك كنهها " .

والأب (ملشوار ) يعلن [2] : "إن القول بحركة الأرض أسف من كل ضروب الهرطقة، وأكبرها إثما، وأشدها قدحا في الدين ... وأقذعها قذفا، وإن ثبات الأرض معتقد مقدس!

وإن البرهنة على فناء النفوس الإنسانية، وعدم خلودها، وإنكار وجود الله، وامتناع التجسيد، أشياء يمكن أن يتسامح فيها، قبل أن يتسامح في البرهنة على أن الأرض تتحرك " .

وقد صنع رئيس بلدية في ألمانيا (مصباحا ) يعمل بغار [ ص: 35 ] الاستصباح، فقضت الكنيسة بكفره، محتجة بأن الله تعالى خلق الليل مظلما، والنهار منيرا، وهذا المصباح ينير الليل، ويغير في مشيئة الخالق، حيث يحول الليل إلى نهار [3] إن التعسف والخلط واضح جدا، ونسبة علوم بشرية لله تعالى، دون وجه حق، كل هذا أشعل صراعا بين الكنيسة ورجال العلم، انتهى بهزيمة الكنيسة، فقبلت فصل الدين عن الدولة. ومن المفيد القول: بأن ما يعتبره البعض تصادما بين النص والعلم، ليس كذلك، وإنما السبب في تعميم نظرية وتحويلها إلى حقيقة علمية مطلقة، أو سوء فهم للنص ليس أكثر. فإن تصادما، أخذنا بالقطعي منهما وأولنا الآخر، كما هو رأي شيخ الإسلام ابن تيمية .

وأخيرا لقد كان أفلاطون عقلية كبيرة، وصاحب علم متقدم في عصره، ومثله اليوم ملايين، وقد استطاع بعقله وعلمه التوصل إلى وجود الله تعالى، وساق الأدلة على ذلك، لكنه لم يصبح نبيا، ولا متدينا.. لم ينقص أفلاطون وأمثاله العقل والعلم، ولكن ينقصه الوحي، لقد غاب عنه النص الصحيح.. وفي مقابل ذلك جاء عربي بكتاب ودين ومعارف، عجز ويعجز فطاحل العلماء عن مثلها. [ ص: 36 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية