[ جـ - ] التيقظ للفتنة
543 - ومما أنهيه إلى صدر العالم بعد تمهيد الاطلاع على أخبار البقاع والأصقاع فتنة هاجمة في الدين ، ولو لم تتدارك ، لتقاذفت إلى معظم المسلمين ، ولتفاقمت غائلتها ، وأعضلت واقعتها وهي من أعظم الطوام على العوام .
وحق على من أقامه الله تعالى ظهرا للإسلام أن يستوعب في [ رحض ] الملة عنها الليالي والأيام وأقصى اقتداري فيه إنهاؤها كما نبغ ابتداؤها ، وعلى من ملكه الله أعنة الملك التشمير لإبعاد الخلق عن أسباب الهلك .
544 - وقد نشأ - حرس الله أيام مولانا - ناشئة من الزنادقة [ ص: 382 ] والمعطلة ، وانبثوا في المخاليف والبلاد ، وشمروا لدعوة العباد ، إلى الانسلاخ عن مناهج الرشاد ، واستندوا إلى طوائف من المرموقين المغترين ، وأضحى أولئك عنهم ذابين ، ولهم منتصرين .
وصار المغترون بأنعم الله ، وترفة المعيشة ، يتخذون فكاهة مجالسهم ، وهزو مقاعدهم - الاستهانة بالدين ، والترامز والتغامز بشريعة المسلمين ، وتعدى أثر ما يلابسونه إلى أتباعهم ، وأشياعهم من الرعاع المقلدين ، وفشا في عوام المسلمين شبه الملحدين ، وغوائل الجاحدين ، وكثر التخاوض والتفاوض في مطاعن الدين .
545 - ومن أعظم المحن ، وأطم الفتن في هذا الزمن ، انحلال عصام التقوى عن الورى ، واتباعهم نزعات الهوى ، وتشوفهم إلى الاستمساك بحطام المنى ، وعروهم عن الثقة بالوعد والوعيد في العقبى ، واعتلاقهم بالاعتياد المحض في مراسم الشريعة تسمع وتروى ، حتى كأنها عندهم أسمار تحكى وتطوى ، وهم على شفا جرف هار من الردى .
فإذا انضم إلى ما هم مدفوعون إليه من البلوى ، دعوة [ ص: 383 ] المعطلة في السر والنجوى ، خيف من انسلال معظم العوام عن دين المصطفى ، ولو لم تتدارك هذه الفتنة الثائرة ، أحوجت الإيالة إلى إعمال بطشة قاهرة ، ووطأة غامرة .