( 3300 ) فصل : ويجوز أن . قال يستعير شيئا يرهنه : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم ، على أن الرجل إذا استعار من الرجل شيئا يرهنه على دنانير معلومة ، عند رجل سماه ، إلى وقت معلوم ، ففعل ، أن ذلك جائز . وينبغي أن يذكر المرتهن ، والقدر الذي يرهنه به ، وجنسه ، ومدة الرهن ; لأن الضرر يختلف بذلك ، فاحتيج إلى ذكره ، كأصل الرهن ، ومتى شرط شيئا من ذلك ، فخالف ، ورهنه بغيره ، لم يصح الرهن ; لأنه لم يؤذن له في هذا الرهن ، فأشبه من لم يأذن في أصل الرهن ، قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على ذلك . وإن أذن له في رهنه بقدر من المال ، فنقص عنه ، مثل أن يأذن له في رهنه بمائة ، فيرهنه بخمسين ، صح ; لأن من أذن في مائة ، فقد أذن في خمسين . ابن المنذر
وإن رهنه بأكثر ، مثل أن رهنه بمائة وخمسين ، احتمل أن يبطل في الكل ; لأنه خالف المنصوص عليه ، فبطل ، كما لو قال : ارهنه بدنانير . فرهنه بدراهم أو بحال فرهنه بمؤجل أو بمؤجل . فرهنه بحال ، فإنه لا يصح . كذلك هاهنا . وهذا منصوص . الشافعي
والوجه الثاني ، أنه يصح في المائة ، ويبطل في الزائد عليها ; لأن العقد تناول ما يجوز وما لا يجوز ، فجاز فيما دون غيره ، كتفريق الصفقة . ويفارق ما ذكرنا من الأصول ; فإن العقد لم يتناول مأذونا فيه بحال ، وكل واحد من هذه الأمور يتعلق به غرض لا يوجد في الآخر ، فإن الراهن قد يقدر على فكاكه في الحال ، ولا يقدر على ذلك عند الأجل وبالعكس . وقد يقدر على فكاكه بأحد النقدين دون الآخر ، فيفوت الغرض بالمخالفة ، وفي مسألتنا إذا صح في المائة المأذون فيها لم يختلف الغرض ، فإن أطلق الرهن في الإذن من غير تعيين ، فقال : يصح ، وله رهنه بما شاء . وهو قول أصحاب [ ص: 226 ] الرأي ، وأحد قولي القاضي . الشافعي
والآخر : لا يجوز حتى يبين قدر الذي يرهنه به ، وصفته ، وحلوله ، وتأجيله ; لأن هذا بمنزلة الضمان ، لأن منفعة العبد لسيده ، والعارية ما أفادت المنفعة ، إنما حصلت له نفعا يكون الرهن وثيقة عنه ، فهو بمنزلة الضمان في ذمته ، وضمان المجهول لا يصح . ولنا ، أنها عارية ، فلم يشترط لصحتها ذكر ذلك ، كالعارية لغير الرهن ، والدليل على أنه عارية أنه قبض ملك غيره لمنفعة نفسه ، منفردا بها من غير عوض ، فكان عارية ، كقبضه للخدمة . وقولهم : إنه ضمان . غير صحيح ; لأن الضمان يثبت في الذمة ، ولهذا ثبت في الرقبة ، ولأن الضمان لازم في حق الضامن ، وهذا له الرجوع في العبد قبل الرهن ، وإلزام المستعير بفكاكه بعده .
وقولهم : إن المنافع للسيد . قلنا : المنافع مختلفة ، فيجوز أن يستعيره لتحصيل منفعة واحدة وسائر المنافع للسيد ، كما لو استعاره لحفظ متاع وهو مع ذلك يخيط لسيده . أو يعمل له شيئا ، أو استعاره ليخيط له ، ويحفظ المتاع لسيده . فإن قيل : لو كان عارية لما صح رهنه ; لأن العارية لا تلزم ، والرهن لازم .
قلنا : العارية غير لازمة من جهة المستعير ; فإن لصاحب العبد المطالبة بفكاكه قبل حلول الدين . ولأن العارية قد تكون لازمة ، بدليل ما لو أعاره حائطا ليبني عليه ، أو أرضا ليدفن فيها ، أو ليزرع فيها ما لا يحصد قصيلا . إذ ثبت هذا ، فإنه يصح رهنه بما شاء ، إلى أي وقت شاء ، ممن شاء ; لأن الإذن يتناول الكل بإطلاقه ، وللسيد مطالبة الراهن بفكاك الرهن ، حالا كان أو مؤجلا ، في محل الحق وقبل محله ; لأن العارية لا تلزم .
ومتى حل الحق فلم يقبضه ، فللمرتهن بيع الرهن . واستيفاء الدين من ثمنه ، ويرجع المعير على الراهن بالضمان ، وهو قيمة العين المستعارة ، أو مثلها إن كانت من ذوات الأمثال ، ولا يرجع بما بيعت به ، سواء بيعت بأقل من القيمة أو أكثر ، في أحد الوجهين . والصحيح أنها إن بيعت بأقل من قيمتها ، رجع بالقيمة ; لأن العارية مضمونة ، فيضمن نقص ثمنها ، وإن بيعت بأكثر ، رجع بما بيعت به ; لأن العبد ملك للمعير ، فيكون ثمنه كله له . وكذلك لو أسقط المرتهن حقه عن الراهن ، رجع الثمن كله إلى صاحبه . فإذا قضى به دين الراهن ، رجع به عليه ، ولا يلزم من وجوب ضمان النقص أن لا تكون الزيادة لصاحب العبد ، كما لو كان باقيا بعينه ، وإن تلف الرهن ضمنه الراهن بقيمته ، سواء تلف بتفريط أو غير تفريط . نص على هذا . وذلك لأن العارية مضمونة . أحمد