الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 301 ] فصل : وهل يجوز للمرأة الصدقة من مال زوجها بالشيء اليسير ، بغير إذنه ؟ على روايتين ; إحداهما ، الجواز ; لأن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { : ما أنفقت المرأة من بيت زوجها ، غير مفسدة ، كان لها أجرها ، وله مثله بما كسب ، ولها بما أنفقت ، وللخازن مثل ذلك ، من غير أن ينتقص من أجورهم شيء } . ولم يذكر إذنا . وعن أسماء ، أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ليس لي شيء إلا ما أدخل علي الزبير ، فهل علي جناح أن أرضخ مما يدخل علي ؟ فقال { : ارضخي ما اسطعت ، ولا توعي ، فيوعى عليك } . متفق عليهما وروي أن { امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إنا كل على أزواجنا وآبائنا ، فما يحل لنا من أموالهم ؟ قال : الرطب تأكلينه ، وتهدينه } .

                                                                                                                                            ولأن العادة السماح بذلك ، وطيب النفس ، فجرى مجرى صريح الإذن ، كما أن تقديم الطعام بين يدي الأكلة قام مقام صريح الإذن في أكله . والرواية الثانية ، لا يجوز ; لما روى أبو أمامة الباهلي ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { : لا تنفق المرأة شيئا من بيتها إلا بإذن زوجها . قيل : يا رسول الله ولا الطعام ؟ . قال : ذاك أفضل أموالنا } . رواه سعيد في " سننه " . وقال النبي صلى الله عليه وسلم { : لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه } . وقال { إن الله حرم بينكم دماءكم وأموالكم كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا } .

                                                                                                                                            ولأنه تبرع بمال غيره بغير إذنه ، فلم يجز ، كغير الزوجة . والأول أصح ; لأن الأحاديث فيها خاصة صحيحة ، والخاص يقدم على العام ويبينه ، ويعرف أن المراد بالعام غير هذه الصورة المخصوصة ، والحديث الخاص لهذه الرواية ضعيف ، ولا يصح قياس المرأة على غيرها ; لأنها بحكم العادة تتصرف في مال زوجها ، وتتبسط فيه ، وتتصدق منه ، لحضورها وغيبته ، والإذن العرفي يقوم مقام الإذن الحقيقي ، فصار كأنه قال لها : افعلي هذا . فإن منعها ذلك ، وقال : لا تتصدقي بشيء ، ولا تتبرعي من مالي بقليل ، ولا كثير . لم يجز لها ذلك ; لأن المنع الصريح نفي للإذن العرفي ولو كان في بيت الرجل من يقوم مقام امرأته

                                                                                                                                            كجاريته ، أو أخته . أو غلامه المتصرف في بيت سيده وطعامه ، جرى مجرى الزوجة فيما ذكرنا ; لوجود المعنى فيه . ولو كانت امرأته ممنوعة من التصرف في بيت زوجها ، كالتي يطعمها بالفرض ، ولا يمكنها من طعامه ، ولا من التصرف في شيء من ماله ، لم يجز لها الصدقة بشيء من ماله ; لعدم المعنى فيها ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية