الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 2763 ) فصل : وإن تصرف أحد المتبايعين في مدة الخيار في المبيع تصرفا ينقل المبيع ، كالبيع ، والهبة ، والوقف ، أو يشغله ، كالإجارة ، والتزويج ، والرهن ، والكتابة ، ونحوها ، لم يصح تصرفه ، إلا العتق ، سواء وجد من البائع ، أو المشتري ; لأن البائع تصرف في غير ملكه ، والمشتري يسقط حق البائع من الخيار ، واسترجاع المبيع ، فلم يصح تصرفه فيه ، كالتصرف في الرهن ، إلا أن يكون الخيار للمشتري وحده ، فينفذ تصرفه ، ويبطل خياره ; لأنه لا حق لغيره فيه ، وثبوت الخيار له لا يمنع تصرفه فيه ، كالمعيب . قال أحمد : إذا اشترط الخيار ، فباعه قبل ذلك بربح ، فالربح للمبتاع ; لأنه قد وجب عليه حين عرضه . يعني بطل خياره ، ولزمه .

                                                                                                                                            وهذا والله أعلم فيما إذا شرط الخيار له وحده ، وكذلك إذا قلنا : إن البيع لا ينقل الملك ، وكان الخيار لهما ، أو للبائع وحده ، فتصرف فيه البائع ، نفذ تصرفه ، وصح ; لأنه ملكه ، وله إبطال خيار غيره ، وقال ابن أبي موسى : في تصرف المشتري في المبيع قبل التفرق ببيع أو هبة روايتان ; إحداهما ، لا يصح ; لأن في صحته إسقاط حق البائع من الخيار . والثانية ، هو موقوف ; فإن تفرقا قبل الفسخ صح ، وإن اختار البائع الفسخ بطل بيع المشتري . قال أحمد في رواية أبي طالب : إذا اشترى ثوبا بشرط ، فباعه بربح قبل انقضاء الشرط ، يرده إلى صاحبه إن طلبه ، فإن لم يقدر على رده ، فللبائع قيمة الثوب ; لأنه استهلك ثوبه ، أو يصالحه . فقوله : يرده إن طلبه . يدل على أن وجوب رده مشروط بطلبه . وقد [ ص: 12 ]

                                                                                                                                            روى البخاري ، عن { ابن عمر ، أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فكان على بكر صعب ، وكان يتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فيقول له أبوه : لا يتقدم النبي صلى الله عليه وسلم أحد . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : بعنيه . فقال عمر : هو لك يا رسول الله . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هو لك يا عبد الله بن عمر ، فاصنع به ما شئت } .

                                                                                                                                            وهذا يدل على أن التصرف قبل التفرق جائز ، وذكر أصحابنا في صحة تصرف المشتري بالوقف وجها آخر ; لأنه تصرف يبطل الشفعة ، فأشبه العتق ، والصحيح أنه لا يصح شيء من هذه التصرفات ; لأن المبيع يتعلق به حق البائع تعلقا يمنع جواز التصرف ، فمنع صحته ، كالرهن . ويفارق الوقف العتق ; لأن العتق مبني على التغليب والسراية ، بخلاف الوقف .

                                                                                                                                            وأما حديث ابن عمر ، فليس فيه تصريح بالبيع ، فإن قول عمر : هو لك . يحتمل أنه أراد هبة ، وهو الظاهر ، فإنه لم يذكر ثمنا ، والهبة لا يثبت فيها الخيار . وقال الشافعي : تصرف البائع في المبيع بالبيع والهبة ونحوهما صحيح ; لأنه إما أن يكون على ملكه فيملك بالعقد عليه ، وإما أن يكون للمشتري ، والبائع يملك فسخه ، فجعل البيع والهبة فسخا .

                                                                                                                                            وأما تصرف المشتري ، فلا يصح إذا قلنا : الملك لغيره . وإن قلنا : الملك له . ففي صحة تصرفه وجهان . ولنا ، على إبطال تصرف البائع ، أنه تصرف في ملك غيره بغير ولاية شرعية ، ولا نيابة عرفية ، فلم يصح ، كما بعد الخيار . وقولهم : يملك الفسخ . قلنا : إلا أن ابتداء التصرف لم يصادف ملكه ، فلم يصح ، كتصرف الأب فيما وهب لولده قبل استرجاعه ، وتصرف الشفيع في الشقص المشفوع قبل أخذه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية