( 3505 ) فصل : ويصح ، سواء كان عينا أو دينا ، إذا كان مما لا سبيل إلى معرفته . قال الصلح عن المجهول في الرجل يصالح على الشيء ، فإن علم أنه أكثر منه ، لم يجز إلا أن يوقفه عليه ، إلا أن يكون مجهولا لا يدري ما هو ، ونقل عنه أحمد عبد الله ، إذا اختلط قفيز حنطة بقفيز شعير ، وطحنا ، فإن عرف قيمة دقيق الحنطة ودقيق الشعير ، بيع هذا ، وأعطي كل واحد منهما قيمة ماله ، إلا أن يصطلحا على شيء ويتحالا .
وقال ابن أبي موسى : الصلح الجائز هو صلح الزوجة من صداقها الذي لا بينة لها به ، ولا علم لها ، ولا للورثة بمبلغه ، وكذلك الرجلان يكون بينهما المعاملة والحساب الذي قد مضى عليه الزمان الطويل ، لا علم لكل واحد منهما بما عليه لصاحبه ، فيجوز الصلح ، بينهما ، وكذلك من عليه حق لا علم له بقدره ، جاز أن يصالح عليه ، وسواء كان صاحب الحق يعلم قدر حقه ولا بينة له ، أو لا علم له . ويقول القابض : إن كان لي عليك حق فأنت في حل منه . ويقول الدافع : إن كنت أخذت مني أكثر من حقك فأنت منه في حل .
وقال : لا يصح الصلح على مجهول ; لأنه فرع البيع ، ولا يصح البيع على مجهول . ولنا ، ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في رجلين اختصما في مواريث درست : { الشافعي } . وهذا صلح على المجهول . استهما ، وتوخيا ، وليحلل أحدكما صاحبه
ولأنه إسقاط حق ، فصح في المجهول ، كالعتاق والطلاق ، ولأنه إذا صح الصلح مع العلم ، وإمكان أداء الحق بعينه ، فلأن يصح مع الجهل أولى ، وذلك لأنه إذا كان معلوما فلهما طريق إلى التخلص وبراءة أحدهما من صاحبه بدونه ، ومع الجهل لا يمكن ذلك ، فلو لم يجز الصلح أفضى إلى ضياع المال ، على تقدير أن يكون بينهما مال لا يعرف كل واحد منهما قدر حقه منه . ولا نسلم كونه بيعا ، ولا فرع بيع ، وإنما هو إبراء .
وإن سلمنا كونه بيعا ، فإنه يصح في المجهول عند الحاجة بدليل بيع أساسات الحيطان ، وطي الآبار ، وما مأكوله في جوفه ، ولو صح . إذا ثبت هذا ، فإن كان العوض في الصلح مما لا يحتاج إلى تسليمه ، ولا سبيل إلى معرفته ، كالمختصمين في مواريث دارسة ، وحقوق سالفة ، أو عين من المال لا يعلم كل واحد منهما قدر حقه منها ، صح الصلح مع الجهالة من الجانبين ; لما ذكرناه من الخبر والمعنى . أتلف رجل صبرة طعام لا يعلم قدرها ، فقال صاحب الطعام لمتلفه : بعتك الطعام الذي في ذمتك بهذه الدراهم ، أو بهذا الثوب .
وإن كان مما يحتاج إلى تسليمه ، لم يجز مع الجهالة ، ولا بد من كونه معلوما ; لأن تسليمه واجب ، والجهالة تمنع التسليم ، وتفضي إلى التنازع ، فلا يحصل مقصود الصلح
( 3506 ) فصل : فأما ، فلا [ ص: 318 ] يصح الصلح عليه مع الجهل . قال ما يمكنهما معرفته ، كتركة موجودة ، أو يعلمه الذي هو عليه ، ويجهله صاحبه : إن صولحت امرأة من ثمنها ، لم يصح . واحتج بقول أحمد : أيما امرأة صولحت من ثمنها ، لم يتبين لها ما ترك زوجها ، فهي الريبة كلها . شريح
قال : وإن ورث قوم مالا ودورا وغير ذلك ، فقالوا لبعضهم : نخرجك من الميراث بألف درهم . أكره ذلك ، ولا يشترى منها شيء ، وهي لا تعلم لعلها تظن أنه قليل ، وهو يعلم أنه كثير ولا يشتري حتى تعرفه وتعلم ما هو ، وإنما يصالح الرجل الرجل على الشيء لا يعرفه ، ولا يدري ما هو حساب بينهما ، فيصالحه ، أو يكون رجل يعلم ماله على رجل ، والآخر لا يعلمه فيصالحه ، فأما إذا علم فلم يصالحه إنما يريد أن يهضم حقه ويذهب به . وذلك لأن الصلح إنما جاز مع الجهالة ، للحاجة إليه لإبراء الذمم ، وإزالة الخصام ، فمع إمكان العلم لا حاجة إلى الصلح مع الجهالة ، فلم يصح كالبيع .