[ ص: 79 ] فصول في مسائل الشرب فصل في المياه ( وإذا كان فليس له أن يمنع شيئا من الشفة ، والشفة الشرب لبني لرجل نهر أو بئر أو قناة آدم والبهائم ) اعلم أن : منها المياه أنواع ، ولكل واحد من الناس فيها حق الشفة وسقي الأراضي ، حتى إن من أراد أن يكري نهرا منها إلى أرضه لم يمنع من ذلك ، والانتفاع بماء البحر كالانتفاع بالشمس والقمر والهواء فلا يمنع من الانتفاع به على أي وجه شاء ، والثاني ماء البحار ماء الأودية العظام كجيحون وسيحون ودجلة والفرات للناس فيه حق الشفة على الإطلاق وحق سقي الأراضي ، فإن أحيا واحد أرضا ميتة وكرى منه نهرا ليسقيها .
إن كان لا يضر بالعامة ولا يكون النهر في ملك أحد له ذلك ; لأنها مباحة في الأصل إذ قهر الماء يدفع قهر غيره ، وإن كان يضر بالعامة فليس له ذلك ; لأن دفع الضرر عنهم واجب ، وذلك في أن يميل الماء إلى هذا الجانب إذا انكسرت ضفته فيغرق القرى والأراضي ، وعلى هذا نصب الرحى عليه ; لأن شق النهر للرحى [ ص: 80 ] كشقه للسقي به . والثالث إذا دخل الماء في المقاسم فحق الشفة ثابت .
والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام { } وأنه ينتظم الشرب ، والشرب خص منه الأول وبقي الثاني وهو الشفة ، ولأن البئر ونحوها ما وضع للإحراز . ولا يملك المباح بدونه كالظبي إذا تكنس في أرضه ، ولأن في إبقاء الشفة ضرورة ; لأن الإنسان لا يمكنه استصحاب الماء إلى كل مكان وهو محتاج إليه لنفسه وظهره ; فلو منع عنه أفضى إلى حرج عظيم ، وإن أراد رجل أن يسقي بذلك أرضا أحياها كان لأهل النهر أن يمنعوه عنه أضر بهم أو لم يضر ; لأنه حق خاص لهم ولا ضرورة . ولأنا لو أبحنا ذلك لانقطعت منفعة الشرب . الناس شركاء في ثلاث : الماء ، والكلإ ، والنار
والرابع : وأنه صار مملوكا له بالإحراز ، وانقطع حق غيره عنه كما في الصيد المأخوذ ، إلا أنه بقيت فيه شبهة الشركة نظرا إلى الدليل وهو ما روينا ، حتى لو سرقه إنسان في موضع يعز وجوده وهو يساوي نصابا لم تقطع يده . الماء المحرز في الأواني
ولو كان البئر أو العين أو الحوض أو النهر في ملك رجل له أن يمنع من يريد الشفة من الدخول في ملكه إذا كان يجد ماء آخر يقرب من هذا الماء في غير ملك أحد ، وإن كان لا يجد يقال لصاحب النهر : إما أن تعطيه الشفة أو تتركه يأخذ بنفسه بشرط أن لا يكسر ضفته ، وهذا مروي عن ، وقيل ما قاله صحيح فيما إذا احتفر في أرض مملوكة له . أما إذا احتفرها في أرض موات فليس له أن يمنعه ; لأن الموات كان مشتركا والحفر لإحياء حق مشترك فلا يقطع الشركة في الشفة ، ولو منعه عن ذلك ، وهو يخاف على نفسه أو ظهره العطش له أن يقاتله بالسلاح لأنه قصد إتلافه بمنع حقه وهو الشفة ، والماء في البئر مباح غير مملوك ، بخلاف الماء المحرز في الإناء حيث يقاتله بغير السلاح ; لأنه قد ملكه ، وكذا الطعام عند إصابة المخمصة ، وقيل في البئر ونحوها الأولى أن يقاتله بغير السلاح بعصا ; لأنه ارتكب معصية فقام ذلك مقام التعزير له ; [ ص: 81 ] والشفة إذا كان يأتي على الماء كله بأن كان جدولا صغيرا . وفيما يرد من الإبل والمواشي كثرة ينقطع الماء بشربها قيل لا يمنع منه ; لأن الإبل لا ترده في كل وقت وصار كالمياومة وهو سبيل في قسمة الشرب . وقيل له أن يمنع اعتبارا : بسقي المزارع والمشاجر والجامع تفويت حقه ، ولهم أن يأخذوا الماء منه للوضوء وغسل الثياب في الصحيح ، ; لأن الأمر بالوضوء والغسل فيه كما قيل يؤدي إلى الحرج وهو مدفوع ، وإن أراد أن يسقي شجرا أو خضرا في داره حملا بجراره له ذلك في الأصح ; لأن الناس يتوسعون فيه ويعدون المنع من الدناءة ، وليس له أن يسقي أرضه ونخله وشجره من نهر هذا الرجل وبئره وقناته إلا بإذنه نصا ، وله أن يمنعه من ذلك ; لأن الماء متى دخل في المقاسم انقطعت شركة الشرب بواحدة ; لأن في إبقائه قطع شرب صاحبه ، ولأن المسيل حق صاحب النهر ، والضفة تعلق بها حقه فلا يمكنه التسييل فيه ولا شق الضفة ، فإن أذن له صاحبه في ذلك أو أعاره فلا بأس به ; لأنه حقه فتجرى فيه الإباحة كالماء المحرز في إنائه . الطحاوي
[ ص: 79 ]