الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ومن أوصى لرجل بمائة درهم ولآخر بمائة ثم قال لآخر قد أشركتك معهما فله ثلث كل مائة ) لأن الشركة للمساواة لغة ، وقد أمكن إثباته [ ص: 453 ] بين الكل بما قلناه لاتحاد المال لأنه يصيب كل واحد منهم ثلثا مائة ، بخلاف ما إذا أوصى لرجل بأربعمائة ولآخر بمائتين ثم كان الإشراك لأنه لا يمكن تحقيق المساواة بين الكل لتفاوت المالين فحملناه على مساواته كل واحد بتنصيف نصيبه عملا باللفظ بقدر الإمكان .

التالي السابق


( وقوله ومن أوصى لرجل بمائة درهم ولآخر بمائة ثم قال لآخر قد أشركتك معهما فله ثلث كل مائة ) قال صاحب النهاية : وهذا استحسان ، وفي القياس [ ص: 453 ] له نصف كل مائة لأن لفظ الإشراك يقتضي التسوية عند الإطلاق ، قال الله تعالى { فهم شركاء في الثلث } وقد أشرك الثالث فيما يوصي به لكل واحد منهما في استحقاق المائة وذلك يوجب أن يكون له نصف كل مائة . وجه الاستحسان أنه أثبت الشركة بينهم وهي تقتضي المساواة ، وإنما تثبت المساواة إذا أخذ من كل واحد منهما ثلث المائة ، أما إذا أخذ من كل واحد منهما نصف المائة حصل له مائة فلا يثبت المساواة بينهم ، فعلم بهذا أنه أشركه معهما جملة واحدة فلا يعتبر بإشراكه إياه مع كل واحد منهما متفرقا انتهى . واقتفى أثره صاحب العناية . أقول : فيه بحث ، لأن الشركة للمساواة لغة كما صرح به المصنف فيقتضي لفظ الإشراك التسوية بلا ريب ، فإن كان معنى قول الموصي للثالث قد أشركتك معهما إشراكه معهما جملة واحدة أي التسوية بين الكل لا إشراكه مع كل واحد منهما منفردا : أي تسويته مع كل واحد بنصف نصيبه بعينه فلا معنى لوجه القياس المذكور ، وإن كان معناه هو الثاني فلا معنى لوجه الاستحسان المذكور . وبالجملة ما ذكره الشارحان المزبوران من وجهي القياس والاستحسان معنيان متضادان لا يمكن اجتماعهما في محل واحد ، فمعنى كلام الموصي لغة وعرفا أحدهما لا غير فلم يصلح هذه المسألة للقياس والاستحسان على ما ذكراه ، وعن هذا لم أر أحدا ذكر القياس والاستحسان في هذه المسألة سوى ذينك الشارحين ، والذي يظهر من كلام المصنف هو أن التسوية بين الكل هو المعنى فيما أمكن تحقق المساواة بين الكل ، وإلا يحمل على المساواة مع كل واحد بنصف نصيبه عملا باللفظ بقدر الإمكان ، وبهذا فرق بين المسألتين كما ترى ولا غبار فيه




الخدمات العلمية