الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ولا بأس بالاحتيال لإسقاط الاستبراء عند أبي يوسف خلافا لمحمد ) وقد ذكرنا الوجهين في الشفعة . والمأخوذ قول أبي يوسف فيما إذا علم أن البائع لم يقربها في طهرها ذلك ، وقول محمد فيما إذا قربها . والحيلة إذا لم يكن تحت المشتري حرة أن يتزوجها قبل الشراء ثم يشتريها . ولو كانت فالحيلة أن يزوجها البائع قبل الشراء أو المشتري قبل القبض ممن يوثق به ثم يشتريها ويقبضها ثم يطلق الزوج ; لأن عند وجود السبب وهو استحداث الملك المؤكد بالقبض إذا لم يكن فرجها حلالا له لا يجب الاستبراء . وإن حل بعد ذلك ; لأن المعتبر أوان وجود السبب كما إذا كانت معتدة الغير .

التالي السابق


( قوله والحيلة إذا لم يكن تحت المشتري حرة أن يتزوجها قبل الشراء ثم يشتريها ) قال بعض المتأخرين : أطلق المسألة ولم يقيدها بكون القبض قبل الشراء لا يعده مع وجوب هذا التقييد . قال الإمام قاضي خان في فتاواه في تصوير المسألة : إذا أراد أن يشتري الجارية يتزوجها المشتري قبل الشراء إذا لم يكن في نكاحه حرة ، ثم يسلمها إليه المولى ثم يشتري فلا يجب عليه الاستبراء . ثم قال : وإنما شرط تسليم الجارية قبل الشراء كي لا يوجد القبض بحكم الشراء بعد فساد النكاح . يريد أنه يتحقق حينئذ سبب وجوب الاستبراء . وهو حدوث الملك المؤكد بالقبض وقت عدم كون فرجها حلالا له . بخلاف ما لو سلمها قبل الشراء فإن القبض السابق بحكم التزوج وإن عرض له كونه قبضا بحكم الشراء . إلى هنا كلام ذلك البعض . أقول : فيه خلل . أما أولا فلأنه جزم بوجوب تقييده هذه المسألة بكون القبض قبل الشراء لا بعده . واستشهد عليه بما ذكره الإمام قاضي خان في فتاواه وليس بتام .

فإن ما ذكره الإمام قاضي خان إنما هو قول بعض المتأخرين من المشايخ ومختار نفسه . وأما عامة المشايخ فلم يشترطوا في هذه المسألة كون القبض قبل الشراء . وعن هذا قال في الذخيرة والمحيط البرهاني : وإن لم تكن تحت المشتري حرة فلإسقاط الاستبراء حيلة أخرى . وهي أن يتزوجها المشتري قبل الشراء ثم يشتريها ويقبضها فلا يلزمه الاستبراء ; لأن النكاح يثبت له عليها الفراش ، فإنما اشتراه وهي في فراشه . وقيام الفراش له عليها دليل شرعي على فراغ رحمها من ماء الغير انتهى .

والمصنف قد [ ص: 48 ] اختار قول هؤلاء فلذلك أطلق المسألة ، ولم يقيدها بكون القبض قبل الشراء . وأما ثانيا فلأن قوله يريد أنه يتحقق حينئذ سبب وجوب الاستبراء وهو حدوث الملك المؤكد بالقبض وقت عدم كون فرجها حلالا له ليس بسديد ; لأن حدوث الملك المؤكد بالقبض وقت عدم كون فرجها حلالا له لا يوجب الاستبراء بل يقتضي سقوط الاستبراء ; ألا يرى إلى قول المصنف فيما بعد ; لأن عند وجوب السبب وهو استحداث الملك المؤكد بالقبض إذا لم يكن فرجها حلالا لا يجب الاستبراء وإن حل بعد ذلك . وكان الصواب أن يقول : وهو حدوث الملك المؤكد بالقبض بعد أن لم يكن فرجها حلالا له بفساد النكاح بملك اليمين تأمل تقف .

ثم قال ذلك البعض : ثم إن صاحب الكافي سلك طريقة المصنف ولم يلتفت إلى هذا الشرط ، إلا أنه صور المسألة بصورة تأخير التسليم تنصيصا على عدم الاشتراط به ، وعلل المسألة بما يدل على سقوط الاستبراء في الصورتين معا فقال : والحيلة إن لم تكن تحت المشتري حرة أن يتزوجها قبل الشراء ثم يشتريها فيقبضها فلا يلزم الاستبراء ، لأن بالنكاح ثبت له عليها الفراش . وإنما اشتراها وهي فراشه . وقيام الفراش له عليها دليل شرعي على تبين فراغ رحمها من ماء الغير ، ثم الحل له لم يتجدد بملك الرقبة ; لأنها كانت حلالا له بالنكاح قبل ذلك انتهى . فإن قلت : لا نسلم عدم تجدد الحل بملك اليمين . فإنها وإن كانت حلالا له بالنكاح إلا أنه زال ذلك بزواله بالشراء ، فزمان الشراء خال عن الحل . أما عن الحل الحاصل بالنكاح فظاهر ; لأنه زمان زواله . وأما عن الحل الحاصل بملك اليمين فلأنه يستعقبه الشراء ، فإن المشتري ما لم يفرغ عن التلفظ بلفظ اشتريت بعد إيجاب البائع لم يحصل له الحل . قلت : هذه مغالطة ; لأن وجود العلة يقارن وجود المعلول لا يستعقبه ، فزمان التلفظ بالحرف الأخير في اشتريت هو زمان وجود الشراء والحل وزوال النكاح . لا يقال : سلمنا أن نوع الحل مستمر ولا يوجد زمان خال عن الحل ولم يحدث نوع الحل ، إلا أنه حدث حل هو أثر ملك اليمين .

وذلك كاف في وجوب الاستبراء ; لأنا نمنع ذلك ، بل الواجب حصول الحل بملك العين بعد أن لم تكن حلالا بسبب من الأسباب ، هذا غاية توجيه كلامه لكنه يعد محل نظر . إذ لقائل أن يقول : الشراء سبب الملك وحل الوطء حكمه وحكم الشيء يتعقبه ، فزمان وجود الملك خال عن الحل مطلقا فيجب الاستبراء تقدم التسليم أو لا ، فلم يصلح ما ذكره حيلة لإسقاطه أصلا فتأمل ، فإن هذا من المطارح ، إلى هنا لفظ ذلك البعض . أقول : ما أورده في خاتمة كلامه ليس بشيء ، فإنه إن أراد بقوله وحكم الشيء يتعقبه أنه يتعقبه زمانا ألبتة فهو ممنوع جدا ، وإن أراد به أنه يتعقبه ذاتا : أي يتوقف عليه فهو مسلم . ولكن لا يلزم منه أن يكون زمان وجود الملك خاليا عن الحل مطلقا . وبالجملة لزوم تأخر حكم الشيء عن الشيء زمانا ممنوع ، ولزوم تأخره عنه ذاتا مسلم ضرورة كون حكم الشيء متفرعا عليه ، ولكن لا يلزم منه خلو زمان ما عن الحل مطلقا فيمن نحن فيه حتى يجب الاستبراء




الخدمات العلمية