الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وليس على النساء والذرية ممن كان له حظ في الديوان عقل ) لقول عمر رضي الله عنه : لا يعقل مع العاقلة صبي ولا امرأة ، ولأن العقل إنما يجب على أهل النصرة لتركهم مراقبته ، والناس لا يتناصرون بالصبيان والنساء ولهذا لا يوضع عليهم ما هو خلف عن النصرة وهو الجزية ، وعلى هذا لو كان القاتل صبيا أو امرأة لا شيء عليهما من الدية بخلاف الرجل ، لأن وجوب جزء من الدية على القاتل باعتبار أنه أحد العواقل لأنه ينصر نفسه وهذا لا يوجد فيهما ، والفرض لهما من العطاء للمعونة لا للنصرة كفرض أزواج النبي عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهن .

التالي السابق


( قوله وعلى هذا لو كان القاتل صبيا أو امرأة لا شيء عليهما ) [ ص: 402 ] قال صاحب النهاية : إن قوله هنا لا يجب على المرأة شيء من الدية وإن كانت هي القاتلة يخالف المسألة التي ذكرها قبيل كتاب المعاقل فيما إذا وجد القتيل في دار امرأة حيث أدخلها المتأخرون هناك في تحمل الدية مع العاقلة انتهى . وقال صاحب العناية بعد نقل ذلك بقيل : وليس بصحيح لأن فرض المسألة فيما إذا كانت قاتلة حقيقة وهناك تقدر قاتلة بسبب وجوب القسامة لا يقال : إذا لم يجب على المرأة شيء من الدية وهي قاتلة حقيقة فلأن لا يجب عليها شيء منها وهي قاتلة تقديرا أولى ، لأنا نقول : القسامة تستلزم وجوب الدية على المقسم إما بالاستقلال أو بالدخول في العاقلة عندنا بالاستقراء ، وقد تحقق الملزوم فيتحقق اللازم ، بخلاف القتل مباشرة فإنه قد لا يستلزم الدية انتهى .

أقول : فيه نظر ، لأن استلزام القسامة وجوب الدية على المقسم عندنا إما بالاستقلال أو بالدخول في العاقلة بالاستقراء ممنوع ، فإنه إذا وجد القتيل في قرية امرأة فعند أبي حنيفة ومحمد يجب عليها القسامة ولا يجب عليها شيء من الدية على ما هو المنصوص عليه من محمد كما ذكر في غاية البيان والكفاية وغيرهما ، والمتأخرون وإن قالوا : إن المرأة تدخل مع العاقلة في تحمل الدية في تلك المسألة إلا أن تعليلهم إياها بقولهم لأنا أنزلناها قاتلة والقاتلة تشارك العاقلة كما مر في الكتاب قبيل كتاب المعاقل يأبى الفرق بين القاتلة حقيقة والمقدرة قاتلة ، بل يقتضي قياس المنزلة قاتلة على القاتلة حقيقة وإلا لا يتم تعليلهم المذكور لا على قاعدة الفقه ولا على قاعدة الميزان كما يظهر بالتأمل الصادق ، فالحق في التوفيق بين المسألتين المذكورتين في المقامين ما ذكره سائر الشراح فإنه قال في الكفاية : هذا يخالف ما ذكر قبيل المعاقل من [ ص: 403 ] اختيار المتأخرين أن المرأة تدخل في التحمل مع العاقلة ، إلا أن ذلك ليس بأصل الرواية وإنما هو اختيار بعض المتأخرين ، وما ذكر هنا هو اختيار الطحاوي وهو الأصح وهو أصل رواية محمد انتهى .

وقال في معراج الدراية : هذه المسألة مخالفة لما مر قبيل كتاب المعاقل أنه لو وجد قتيل في دار امرأة أن المرأة تشارك العاقلة عند المتأخرين ، إلا أنه يمكن أن يكون هذا على رواية المتقدمين أن المرأة لا تدخل في العواقل في صورة من الصور انتهى ، وقال في غاية البيان : فإن قلت : قد مر قبيل كتاب المعاقل أن القتيل إذا وجد في قرية امرأة تجب القسامة عليها والدية على عاقلتها عند أبي حنيفة ومحمد ، وذهب المشايخ المتأخرون إلى أنها تشارك العاقلة في الدية فكيف لم تشاركهم هنا . قلت : ثمة لا تشاركهم في الدية على ما هو المنصوص من محمد ، وإنما استحسن المتأخرون في تلك المسألة خاصة انتهى ، ثم قال صاحب العناية : فإن قلت : هذا الجواب يبتني على إيجاب القسامة عليها وفي ذلك تناقض ، لأنه قال قبل هذا ولا قسامة على صبي إلى أن قال ولا امرأة ولا عبد ، وقال هاهنا : لو وجد قتيل في قرية لامرأة فعند أبي حنيفة ومحمد القسامة عليها تكرر الأيمان وذلك تناقض ألبتة .

فالجواب أن ذلك مذكور في سياق قوله وإن لم يكمل أهل المحلة خمسين كررت الأيمان ، فمعناه لا يكمل أهل المحلة خمسين من الصبي والمرأة والعبد لأنهم ليسوا من أهل النصرة واليمين على أهلها ، وأما هنا فالقتيل وجد في قريتها فتجب عليها نفيا لتهمة القتل فإنها تتحقق منها ، وتبين من هذا أن القسامة إذا وجبت على الجماعة تعلل بالنصرة ، فمن كان أهلا لها يدخل ومن لا فلا ، فلا يدخل الصبي والعبد والمرأة ، وإذا وجبت على واحد تعلل بتهمة القتل ، فمن كان من أهلها وجبت عليه ومن لا فلا فتدخل المرأة ، إلى هنا كلامه . أقول : فيه أيضا نظر . أما أولا فلأن كون ذلك مذكورا في سياق قوله وإن لم يكمل أهل المحلة خمسين كررت الأيمان ممنوع ، بل ذلك مسألة مبتدأة مقصودة بالبيان على الاستقلال ، إذ لو كان معناه لا يكمل أهل المحلة خمسين من الصبي والمجنون والمرأة والعبد لا نفي صلاحيتهم للقسامة مطلقا : أي سواء كانوا منضمين إلى الغير لتكميل الخمسين أو كانوا منفردين وحدهم لزم أن يكون بيان حال الصبي والمجنون والعبد في أمر القسامة عند كونهم منفردين غير منضمين إلى الغير متروكا بالكلية في هذا الكتاب وكثير من الكتب المعتبرة ، إذ الفرض أن عدم الصلاحية للقسامة حال الانضمام إلى الغير لتكميل الخمسين لا يستلزم عدم الصلاحية لها حال الانفراد إذ هو حاصل الجواب الذي ذكره لدفع التناقض بين المقامين في حق المرأة كما ترى .

وأما ثانيا فلأن ما ذكره من أن القسامة إذا وجبت على الجماعة تعلل بالنصرة ، وإذا وجبت على الواحد تعلل بتهمة القتل من عندياته لا يساعده العقل ولا النقل ، أما عدم مساعدة العقل فلأن كل واحد من ترك النصرة واحتمال القتل متحقق في كل واحدة من صورتي وجوب القسامة على الجماعة ووجوبها على الواحد ، فتعليل إحداهما بالأول والأخرى بالثاني دون العكس أو الجمع تحكم بحت . وأما عدم مساعدة النقل فلأنهم كانوا يعللون وجوب القسامة والدية مطلقا بكل واحدة من العلتين المذكورتين كما لا يخفى على من يراجع المعتبرات وقد مرت [ ص: 404 ] الإشارة إلى ذلك في مواضع من نفس الكتاب فتذكر .




الخدمات العلمية