الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وإذا وقع السهم بالصيد فتحامل حتى غاب عنه ولم يزل في طلبه حتى أصابه ميتا أكل ، وإن قعد عن طلبه ) ثم أصابه ميتا لم يؤكل ، لما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام { أنه كره أكل الصيد إذا غاب عن الرامي وقال : لعل هوام الأرض قتلته } ولأن احتمال الموت بسبب آخر قائم فما ينبغي أن يحل أكله ; لأن الموهوم في هذا كالمتحقق لما روينا ، إلا أنا أسقطنا اعتباره ما دام في طلبه ضرورة أن لا يعرى الاصطياد [ ص: 128 ] عنه ، ولا ضرورة فيما إذا قعد عن طلبه لإمكان التحرز عن توار يكون بسبب عمله ، والذي رويناه حجة على مالك في قوله إن ما توارى عنه إذا لم يبت يحل فإذا بات ليلة لم يحل ( ولو وجد به جراحة سوى جراحة سهمه لا يحل ) ; لأنه موهوم يمكن الاحتراز عنه فاعتبر محرما ، بخلاف وهم الهوام

والجواب في إرسال الكلب في هذا [ ص: 129 ] كالجواب في الرمي في جميع ما ذكرناه .

التالي السابق


( قوله : وإذا وقع السهم بالصيد فتحامل حتى غاب عنه ، ولم يزل في طلبه حتى أصابه ميتا أكل ، وإن قعد عن طلبه ثم أصابه ميتا لم يؤكل ) قال الزيلعي في شرح الكنز : وجعل قاضي خان في فتاواه [ ص: 128 ] من شرط حل الصيد أن لا يتوارى عن بصره فقال : لأنه إذا غاب عن بصره ربما يكون موت الصيد بسبب آخر فلا يحل لقول ابن عباس رضي الله عنهما : كل ما أصميت ودع ما أنميت ، والإصماء : ما رأيته ، والإنماء : ما توارى عنك

وهذا نص على أن الصيد يحرم بالتواري ، وإن لم يقعد عن طلبه انتهى

أقول : ليس الأمر كما زعمه الزيلعي ، فإن الإمام قاضي خان لم يجعل في فتاواه من شرط حل الصيد عدم التواري عن بصره بخصوصه ، بل جعل من شرط ذلك أحد الأمرين : عدم التواري عن بصره ، وعدم القعود عن طلبه حيث قال :

والسابع يعني الشرط السابع أن لا يتوارى عن بصره أو لا يقعد عن طلبه فيكون في طلبه ، ولا يشتغل بعمل آخر حتى يجده ; لأنه إذا غاب عن بصره ربما يكون موت الصيد بسبب آخر فلا يحل لقول ابن عباس رضي الله عنهما : كل ما أصميت ودع ما أنميت

والإصماء : ما رأيته ، والإنماء : ما توارى عنك انتهى

ولا شك أن قوله : والسابع أن لا يتوارى عن بصره أو لا يقعد عن طلبه نص على أن الصيد لا يحرم بمجرد التواري عن بصره إذا لم يقعد عن طلبه ، [ ص: 129 ] بل إنما يحرم بالتواري عن بصره والقعود عن طلبه معا

وأما قوله ; لأنه إذا غاب عن بصره ربما يكون موت الصيد بسبب آخر فلا يحل ، فالظاهر أن المراد به أنه إذا غاب عن بصره وقعد عن طلبه بقرينة سياق كلامه

وأما إذا لم يقعد عن طلبه فيعذر فيه للضرورة لعدم إمكان التحرز عن تواري الصيد عن بصر الرامي ، فكان في اعتبار عدم التواري مطلقا حرج عظيم ، والحرج مدفوع بالنص ، وقد أشار إليه المصنف بقوله : إلا أنا أسقطنا اعتباره ما دام في طلبه ضرورة أن لا يعرى الاصطياد عنه ، ولا ضرورة فيما إذا قعد عن طلبه لإمكان التحرز عن توار يكون بسبب عمله

وذكر في الشروح والكافي { أنه صلى الله عليه وسلم مر بالروحاء على حمار وحش عقير فتبادر أصحابه إليه ، فقال صلى الله عليه وسلم : دعوه فسيأتي صاحبه ، فجاء رجل فقال : هذه رميتي ، وأنا في طلبها وقد جعلتها لك ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فقسمها بين الرفاق } انتهى .




الخدمات العلمية