الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ويجوز للموصي الرجوع عن الوصية ) لأنه تبرع لم يتم فجاز الرجوع عنه كالهبة وقد حققناه في كتاب الهبة ، ولأن القبول يتوقف على الموت والإيجاب يصح إبطاله قبل القبول كما في البيع .

قال ( وإذا صرح بالرجوع أو فعل ما يدل على الرجوع كان رجوعا ) أما الصريح فظاهر ، وكذا الدلالة لأنها تعمل عمل الصريح فقام مقام قوله قد أبطلت ، وصار كالبيع بشرط الخيار فإنه يبطل الخيار فيه بالدلالة ، ثم كل فعل لو فعله الإنسان في ملك الغير ينقطع به حق المالك ، فإذا فعله الموصي كان رجوعا ، وقد عددنا هذه الأفاعيل في كتاب الغصب .

وكل فعل يوجب زيادة في الموصى به ولا يمكن تسليم العين إلا بها فهو رجوع إذا فعله ، مثل السويق يلته بالسمن والدار يبني فيه الموصي والقطن يحشو به والبطانة يبطن بها والظهارة يظهر بها ، لأنه لا يمكنه تسليمه بدون الزيادة ، ولا يمكن نقضها لأنه حصل في ملك الموصي من جهته ، بخلاف تخصيص الدار الموصى بها وهدم بنائها لأنه تصرف في التابع ، وكل تصرف أوجب زوال ملك الموصي فهو رجوع ، كما إذا باع العين الموصى به ثم اشتراه أو وهبه تم رجع فيه لأن الوصية لا تنفذ إلا في ملكه ، فإذا أزاله كان رجوعا .

وذبح الشاة الموصى بها رجوع لأنه للصرف إلى حاجته عادة ، فصار هذا المعنى أصلا أيضا ، وغسل الثوب الموصى به لا يكون رجوعا لأن من أراد أن يعطي ثوبه غيره يغسله عادة فكان تقريرا .

التالي السابق


ولا يلزم ذلك في الوصية لأنها تبرع يصح الرجوع عنه غايته أن يحمل الاستثناء على الرجوع عنها في حق التابع انتهى . أقول : جوابه ليس بمستقيم . فإن إبطال حق ثبت بالإقرار إنما يلزم في تلك المسألة المذكورة في كتاب الإقرار على تقدير أن لا يصح الاستثناء فيها ولا يجعل البناء للمقر له ، وأما على تقدير أن يصح الاستثناء فيها فلا يلزم إبطال ذلك أصلا ، إذ يصير الإقرار حينئذ مخصوصا بما عدا البناء ، إذ قد تقرر في مباحث الاستثناء أن حكم الكلام يتوقف فيما وقع فيه الاستثناء على تمام الكلام بذكر المستثنى فيثبت الحكم فيما عدا المستثنى فيصير معنى قوله مثلا هذه الدار لفلان إلا بناءها على تقدير أن يصح الاستثناء غير بناء هذه الدار لفلان ، وبهذا يندفع التناقض المتوهم بين أول الكلام وآخره في أمثلة الاستثناء ، فظهر أنه لو صح الاستثناء في مسألة الإقرار لم يستلزم ذلك إبطال حق ثبت بالإقرار قط ، ثم إن المصير إلى حمل الاستثناء فيما نحن فيه على [ ص: 438 ] الرجوع عن الوصية في حق التابع ليس بسديد أيضا ، إذ لو كان الأمر كذلك لما احتيج إلى شيء من التعليلين المذكورين في الكتاب لمسألتنا هذه ، ولزم أن يكون ذلك من قبيل التزام ما لا يلزم ، فإن مسألة جواز الرجوع عن الوصية ستجيء بتفاصيلها وتفاريعها بعد هذه المسألة .




الخدمات العلمية