الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وما يباح النظر إليه للرجل من الرجل يباح المس ) لأنهما فيما ليس بعورة سواء . قال ( ويجوز للمرأة أن تنظر من الرجل إلى ما ينظر الرجل إليه منه إذا أمنت الشهوة ) لاستواء الرجل والمرأة في النظر إلى ما ليس بعورة كالثياب والدواب . وفي كتاب الخنثى من الأصل : أن نظر المرأة إلى الرجل الأجنبي بمنزلة نظر الرجل إلى محارمه ; لأن النظر إلى خلاف الجنس أغلظ ، فإن كان في قلبها شهوة أو أكبر رأيها أنها تشتهي أو شكت في ذلك يستحب لها أن تغض بصرها ، ولو كان الناظر هو الرجل إليها وهو بهذه الصفة لم ينظر ، وهذا إشارة إلى التحريم . ووجه الفرق أن الشهوة عليهن غالبة وهو كالمتحقق اعتبارا ، فإذا اشتهى الرجل كانت الشهوة موجودة في الجانبين ، ولا كذلك إذا اشتهت المرأة ; لأن الشهوة غير موجودة في جانبه حقيقة واعتبارا فكانت من جانب واحد ، والمتحقق من الجانبين في الإفضاء إلى المحرم أقوى من المتحقق في جانب [ ص: 30 ] واحد .

التالي السابق


( قوله وما يباح للرجل النظر إليه من الرجل يباح المس ; لأنهما فيما ليس بعورة سواء ) أقول : لقائل أن يقول : استواؤهما فيه ممنوع ، كيف وقد [ ص: 30 ] مر أن وجه الأجنبية وكفيها ليستا بعورة حيث يجوز للرجل أن ينظر إليهما إذا أمن الشهوة ، ولكن لا يجوز له أن يمسهما وإن أمن الشهوة فلم يستو النظر والمس فيها .

ويمكن أن يقال : المراد أنهما سواء فيه ما لم يرد النص على خلاف ذلك كما في الصورة المارة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من مس كف امرأة ليس منها بسبيل وضع على كفه جمرة يوم القيامة } فما ذكر هاهنا من حديث الاستواء مقتضى القياس ، وما مر موجب النص فلا تنافي بينهما تدبر .

( قوله ويجوز للمرأة أن تنظر من الرجل إلى ما ينظر الرجل إليه منه إذا أمن الشهوة ) قال صاحب العناية : قوله ويجوز للمرأة أن تنظر من الرجل إلى ما ينظر الرجل إليه منه عكس هذا القسم الذي نحن فيه . أقول : ليس الأمر كذلك في الظاهر . إذ الظاهر أن المراد بالقسم الذي نحن فيه هو الذي ذكر قبيل هذه المسألة ، أعني قوله وينظر الرجل من الرجل إلى جميع بدنه إلا ما بين سرته إلى ركبته فإنه الصالح لأن يعنون بما نحن فيه . ولا يذهب عليك أن هذا الذي ذكر هنا ليس بعكس ذاك . وإنما هذا عكس القسم الأول المذكور في صدر الفصل ، ويحتمل أن يكون مراده بالقسم الذي نحن فيه هو القسم الأول المذكور في صدر الفصل بناء على أن المصنف لما لم يستوف بعد أقسام ذلك القسم الأول بل أدخل في خلالها الأقسام الثلاثة الأخر من أصل التقسيم كما ستحيط به خبرا لم يكن فارغا عن بيان ذلك القسم بالكلية . بل كان في عهدته الآن بيان ما بقي منه ، فبهذا الاعتبار جاز أن يعبر عنه الشارح المزبور بالقسم الذي نحن فيه ، وإن كان مستبعدا عند من له سلامة الفطرة . ثم إن بعض المتأخرين طعن في تحرير هذه المسألة حيث قال : ولو نكر الرجل الثاني كان أولى . أقول : ليس هذا بشيء إذ لا يخفى على ذي مسكة أن المقصود من هذه المسألة بيان حال الجنس مطلقا لا بيان بعض من أفراده ، وإن كان غير معين فالأولى أن يعرف الرجل في الموضعين معا تعريف الجنس لا أن ينكر الثاني ولا الأول تأمل تفهم .




الخدمات العلمية