الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[4] جهاز عالمي للدعوة الإسلامية

ومن الأمور الملحة أيضا في مجال العمل الإسلامي ضرورة إنشاء مؤسسة إسلامية تبشيرية؛ وأعني بذلك: جهازا للدعوة الإسلامية في الخارج: [ ص: 143 ]

يدعو للإسلام من ناحية، ويرعى المسلمين الجدد من ناحية ثانية، ويحمي المسلمين بالوراثة من ناحية ثالثة. ويتطلب العمل الإسلامي أيضا إصدار سلسلة كتب إسلامية باللغات العالمية الحية، تصحح التصورات الخاطئة عن الإسلام في الأذهان، وتعرض الإسلام بأسلوب علمي يتناسب مع العقلية المعاصرة، وتقدم الحلول الإسلامية لمشكلات المسلمين العصرية.

ومن الممكن في هـذا الصدد الاستفادة بأفكار وخبرات الشخصيات الغربية الواعية التي اعتنقت الإسلام، والاتفاق معها على خطتي عمل؛ إحداهما عاجلة، والأخرى طويلة الأمد؛ لنشر الإسلام والثقافة الإسلامية في الغرب. وقد أشار المفكر الفرنسي ( جارودي ) -الذي أسلم حديثا- في محاضرته التي ألقاها في كل من جامعة الملك عبد العزيز بجدة وفي جامعة قطر بالدوحة في أوائل يناير (كانون الثاني) 1983م، بعنوان: (الإسلام وأزمة الغرب) ، أشار إلى الحاجة الملحة لنشر الإسلام والثقافة الإسلامية في الغرب، وتحدث عن بعض الأفكار في هـذا الصدد في أثناء حديثه عن كشف أساليب التضليل الصهيوني، فكان مما قال : (إن عملنا فيما يتعلق بشرح مفهوم الصهيونية وأهدافها وطرق عملها يجب ألا يقتصر على الجانب السياسي فقط، بل يجب أن يشمل الجانب الروحي أيضا. فعلينا أن نقاوم العنصرية القبلية بكونية الإسلام، وإن هـدفنا هـو أن نظهر للغربيين كيف أن الإسلام هـو الوحيد اليوم القادر على فتح طريق أمام المستقبل خارج النمطين الأمريكي الرأسمالي والاشتراكي السوفييتي، اللذان آلا إلى طريق مسدود، وأن يجنبنا حربا نووية قد تؤدي بالكون إلى الهلاك المحقق... إنني أعتقد أن وعيي بأن هـذا الضلال الغربي المؤدي بالعالم إلى الهلاك، وفي الوقت [ ص: 144 ] نفسه شعوري بإمكانات الإسلام قد هـداني إلى تأليف كتابي الأخير: (تباشير الإسلام) ، وأن أضع في الخط الأول المعركة ضد التضليل الصهيوني وأن أعتنق الإسلام) .

ويرى ( جارودي ) ضرورة الاستعانة في هـذا الصدد بالعديد من الوسائل عن طريق الحضور المستمر في وسائل الإعلام الغربية، ونشر الكتب المبسطة التي تكون في متناول الجميع، أو تنظيم المعارض وإقامة المهرجانات وغيرها مما يساهم في انتشار الإيمان وثقافة الإسلام. ويرى أيضا تحويل الجمعية الإسلامية بجنيف إلى مركز للإشعاع الديني والثقافي، وإقامة مركز إسلامي في المنطقة الباريسية.

ويقول أيضا: (نحن بصدد إعداد كتاب عنوانه: (في الإسلام كل الفنون تؤدي إلى المسجد، وكل المساجد تؤدي إلى الصلاة) ... وعن طريق تنوع الثقافات والفنون التي استوعبها الإسلام نحاول إبراز معاني وحدة وشمولية الإيمان. وأعتقد أن هـذا يمثل بالنسبة لمسلمي الغرب -الذي أعد واحدا منهم- عملا لا بد من إنجازه. إن في مقدور الإسلام مرة ثانية أن يحيي من جديد الأمل في مجتمعاتنا الغربية التي حطمتها الانفرادية وأنموذج النمو الكمي، الذي يقود العالم إلى الانتحار) .

وقد أشرت هـنا إلى جارودي كأحد الأمثلة للشخصيات الغربية التي يمكن التعاون معها على أساس أن الغربي المسلم الذي ولد ونما وعاش في الغرب وتثقف بالثقافة الغربية أقدر من غيره على فهم نفسية الغربيين وما يشعرون به [ ص: 145 ] من أزمات روحية، وما يتطلعون إليه من حلول، وأقدر أيضا على معرفة الأساليب التي يمكن أن يكون لها تأثير في نفوسهم وعقولهم.

والموضوع في حاجة إلى بحث مستفيض ودراسة واعية وتخطيط سليم. ولعلنا نتخذ العبرة من النشاطات السرية والمكشوفة لمؤسسات التنصير في شتى أنحاء العالم، والتي توجه معظم نشاطها إلى تنصير المسلمين، مستغلة ما يعانيه كثير من التجمعات الإسلامية في أماكن كثيرة من بلاد العالم الإسلامي من جوع وحرمان ومرض وجهل، فهل نترك هـؤلاء المسلمين يسقطون يوما بعد يوم في أيدي بعثات التنصير ونحن نتفرج مكتفين بأضعف الإيمان؟

لقد صادفت في أثناء إقامتي في ألمانيا في أواسط الستينات أنموذجين مؤلمين لكل نفس مسلمة: الأنموذج الأول: كان قسيسا إندونيسيا ذكر لي أن جده كان مسلما ومات مسلما. ومن الواضح أن هـذا القسيس كان من نتاج التبشير النصراني النشط في ذلك البلد المسلم: إندونيسيا. أما الأنموذج الثاني: فقد كان أحد الأشخاص الأوروبيين الذين كانوا يعدون لمهمة التنصير في باكستان، وقد ذكر لي صراحة وبلا مواربة أنه سيكون أسعد الناس عندما يستطيع تحويل مسلم إلى النصرانية في هـذا البلد المسلم.

إن وراء هـذه النماذج الفردية مؤسسات تنصيرية ضخمة، وتقوم هـذه المؤسسات بين الحين والحين بعقد المؤتمرات التنصيرية العالمية لدراسة أفضل الخطط وأنجع الوسائل لإنجاح مشروعات تنصير المسلمين في شتى بلاد العالم الإسلامي، وتتلقى الدعم المالي الهائل من مختلف الطوائف النصرانية ورجال الأعمال النصارى في أوروبا وأمريكا، وقد كان أحدث هـذه المؤتمرات مؤتمر أمريكا الشمالية لتنصير المسلمين الذي عقد في: (كلورادو) ، عام 1978م. [ ص: 146 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية