الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
اليهود والاستشراق

لقد اتضح لنا مما تقدم أنه قد كانت هـناك أسباب معينة على مر العصور، دفعت بالباحثين الغربيين النصارى إلى الاستشراق، وحملتهم على تحقيق [ ص: 48 ] أهداف معينة رسموها لأنفسهم؛ سواء أكانت هـذه الأهداف أهدافا علمية أم غير علمية. وهنا يمكن لسائل أن يسأل:

ما هـي الأسباب التي دفعت بعض اليهود إلى الإقبال على الاستشراق؟ وما الدور الذي قاموا به في إطار الحركة الاستشراقية؟

والإجابة على هـذا السؤال ليست سهلة، فمن الصعب الحصول على إجابة صريحة في هـذا الصدد؛ وذلك لأن المراجع التي تتحدث عن الاستشراق وتطوره قد أغفلت الحديث عن هـذا الجانب. ونعتقد أن سبب إغفال الحديث عن هـذا الموضوع يرجع إلى أن المستشرقين اليهود قد استطاعوا أن يكيفوا أنفسهم؛ ليصبحوا عنصرا أساسيا في إطار الحركة الاستشراقية الأوروبية النصرانية، فقد دخلوا الميدان بوصفهم الأوروبي لا بوصفهم اليهودي. وقد استطاع ( جولد تسيهر ) في عصره -وهو يهودي مجري- أن يصبح زعيم علماء الإسلاميات في أوروبا بلا منازع، ولا تزال كتبه حتى اليوم تحظى بالتقدير العظيم والاحترام الفائق من كل فئات المستشرقين.

وهكذا لم يرد اليهود أن يعملوا داخل الحركة الاستشراقية بوصفهم مستشرقين يهود حتى لا يعزلوا أنفسهم وبالتالي يقل تأثيرهم. ولهذا عملوا بوصفهم مستشرقين أوروبيين، وبذلك كسبوا مرتين: كسبوا أولا: فرض أنفسهم على الحركة الاستشراقية كلها. وكسبوا ثانيا: تحقيق أهدافهم في النيل من الإسلام، وهي أهداف تلتقي مع أهداف غالبية المستشرقين النصارى.

ويشير الأستاذ الدكتور محمد البهي رحمه الله في كتابه: (الفكر الإسلامي الحديث) ، إلى ملاحظة لبعض الباحثين حول تفسير إقبال اليهود على الاستشراق، وتتلخص هـذه الملاحظة في أنهم أقبلوا على الاستشراق لأسباب دينية وسياسية؛ أما الأسباب الدينية: فإنها تتمثل في محاولة إضعاف الإسلام، والتشكيك في قيمه؛ بإثبات فضل اليهودية عليه، وذلك بإدعاء أن اليهودية في [ ص: 49 ] نظرهم هـي مصدر الإسلام الأول. أما الأسباب السياسية: فإنها تتصل بخدمة الصهيونية فكرة أولا ثم دولة ثانيا.

ويرى الدكتور البهي أن وجهة النظر هـذه على الرغم من أنها لا تعتمد على مصدر مكتوب يؤيدها، فإن الظروف العامة والظاهرة المترادفة في كتابات هـؤلاء المستشرقين تعزز وجهة النظر هـذه، وتضفي عليها بعض خصائص الاستنتاج العلمي [1] .

ونحن في الواقع لسنا في حاجة إلى دليل لإثبات كراهية اليهود للإسلام؛ وذلك لأن هـذه الكراهية قد ظهرت واضحة كالشمس منذ ظهور الإسلام، وقد أكد القرآن ذلك في قوله تعالى: ( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ) (المائدة: 82) .

وقد ظل اليهود طوال تاريخهم يتحينون كل فرصة متاحة ليكيدوا للإسلام والمسلمين، وقد وجدوا في مجال الاستشراق بابا ينفثون منه سمومهم ضد الإسلام والمسلمين، فدخلوا هـذا المجال مستخفين تحت رداء العلم، كما وجدوا في الصهيونية بابا آخر يفرضون منه سيطرتهم على العرب والمسلمين.

التالي السابق


الخدمات العلمية