الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
عصر ازدهار الاستشراق

يعد القرن التاسع عشر والقرن العشرين عصر الازدهار الحقيقي للحركة الاستشراقية. ففي نهاية القرن الثامن عشر، وبالتحديد في شهر مارس (آذار) من 1795م قامت الحكومة الثورية في باريس بإنشاء مدرسة اللغات الشرقية الحية. وقد كان التركيز فيها على وجه الخصوص على عنصر الفائدة العملية، بالإضافة إلى ما يمكن أن تسـهم به اللغات الشرقية في تقدم الأدب والعلم [1] . وبدأت حركة الاستشراق في فرنسا تتجه نحو اتخاذ طابع [ ص: 38 ] علمي على يد ( سلفستر دي ساسي Silvestre de Sacy) [ ت 1838م] الذي أصبح إمام المستشرقين في عصره، وإليه يرجع الفضل في جعل باريس مركزا للدراسات العربية، وكعبة يؤمها التلاميذ والعلماء من مختلف البلاد الأوروبية؛ ليتعلموا على يديه [2] .

وكانت أغلب جهود (دي ساسي) العلمية منصبة على الدراسات العربية في النحو والأدب؛ شعرا ونثرا، وليست له دراسات حول الإسلام، وقد أصبحت مدرسة اللغات الشرقية الحية في عهده تعد الأنموذج لمؤسسة الاستشراق العلمي والعلماني، وخاصة بعد أن كان قد تم في القرن الثامن عشر انفصال الاستشراق عن اللاهوت في كل من فرنسا وإنجلترا .

أما البلاد التي كانت تسود فيها اللغة الألمانية فقد كانت الجامعات فيها لا تزال حتى ذلك الوقت تحت سيطرة علماء اللاهوت. ولهذا السبب ظهر الاستشراق العلماني في ألمانيا والنمسا في بداية الأمر على يد هـواة، كان أبرزهم العالم النمساوي ( جوزيف فون هـامر برجشتال Hammer -Purgstall J.v.) [ت 1856م].

وهكذا يمكن القول -كما يقول بارت- بأن الاستشراق قد تشكل كعلم في القرن التاسع عشر، وذلك : (عندما تأكد استعداد الناس للانصراف عن الآراء المسبقة وعن كل لون من ألوان الانعكاس الذاتي، وللاعتراف لعالم الشرق بكيانه الخاص الذي تحكمه نظمه [ ص: 39 ] الخاصة، وعندما اجتهدوا في نقل صورة موضوعية له ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا ) [3] .

ومن ذلك يتضح أنه بتخليص الاستشراق من سيطرة اللاهوت أصبح علما قائما بنفسه هـدفه دراسة اللغات الشرقية وآدابها، وبرزت هـناك نزعة علمية تتجه إلى دراسة الآداب والعقائد الشرقية لذاتها مستهدفة المعرفة وحدها [4] .

أما مدى نجاح هـذه النزعة في التحرر نهائيا من التعصب الديني فهذه مسألة أخرى سنقف على حقيقتها في الفصل الثاني إن شاء الله.

أما متى بدأ هـذا الاتجاه الجديد على وجه التحديد؟ فإن هـذا أمر لا يمكن القطع فيه برأي على وجه الدقة، وإن كان يمكن اعتبار منتصف القرن التاسع عشر بداية لظهور تلك الصفة العلمية كما يقول بارت:

(فإذا وضعنا بقصد التبسيط منتصف القرن التاسع عشر فإننا نعني بهذا فقط أن الصفة العلمية بالمعنى الحديث ظهرت في هـذا الوقت على الاستشراق بوضوح أكثر من ذي قبل. ولكن النية المتجهة إلى فهم الموضوعات فهما موضوعيا، كانت موجودة قبل ذلك بكثير، وجودا يمكن إثباته بالأدلة والشواهد، وكانت أوضح ما تكون في مجال الدراسات اللغوية ودراسات اللغة العربية خاصة... وهذا هـو السبب الذي يظل من أجله المستشرقون العاملون في الصعيد اللغوي بمنأى عن هـجوم الرأي العام العربي الإسلامي في أيامنا هـذه، بينما يتهم المستشرقون العاملون في صعيد الدراسات الإسلامية بسوء النية في أحوال ليست بالنادرة) [5] . [ ص: 40 ]

وفي نهاية القرن التاسع عشر أصبحت الدراسات الإسلامية تخصصا قائما بذاته داخل الحركة الاستشراقية العامة. كان كثير من علماء الإسلاميات والعربية في ذلك الوقت؛ مثل: نولدكه، وجولد تسيهر، وفلهاوزن، مشهورين في الوقت نفسه بوصفهم علماء في الساميات على وجه العموم أو متخصصين في الدراسات العبرية أو في دراسة الكتاب المقدس [6] .

التالي السابق


الخدمات العلمية