الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[6] تنقية التراث الإسلامي

تراثنا العربي الإسلامي يعد أغنى تراث في العالم، وهو تراث نعتز به ولا يجوز لنا أن نفرط فيه. ونعني بالتراث كل إنتاج بشري للمسلمين في شتى مجالات الأدب أو اللغة أو الفكر أو الدين أو العلوم بصفة عامة أو الفنون [ ص: 148 ] المختلفة، وتنبع أهمية هـذا التراث من أنه يمثل الإطار الذي يحدد للعرب والمسلمين هـوية معينة وصبغة متميزة، ويمثل الخلفية الفكرية لتصوراتهم وأفهامهم لكل مجالات الحياة. ويعطي لهم الركيزة الأساسية للأيديولوجية الخاصة التي يتميزون بها بين الأمم، وكل ذلك مرتكز بطبيعة الحال على أسس إسلامية راسخة.

والاهتمام بهذا التراث لا يعني مجرد التغني بالأمجاد أو اجترار الذكريات، وإنما يعني البحث عن الجذور الحقيقية للشخصية العربية الإسلامية واستعادة الأمة العربية الإسلامية للثقة بنفسها وأمجادها وقدرتها على البناء والتطور الحضاري؛ حتى تسير بخطى ثابتة على أرض صلبة مستندة على رصيد حضاري ضخم.

وهكذا لا يعني الاهتمام بالتراث التقوقع والانعزال عن التطورات العلمية والحضارية في عالم اليوم، فالتراث نفسه يعطينا المثل الواضح، فالمسلمون عندما بنوا حضاراتهم لم ينعزلوا وإنما انتفعوا بكل ما كان قائما في ذلك الزمان من علوم ومعارف على اختلاف أنواعها. فالتراث يجدد نفسه بصفة مستمرة عن طريق مواكبته لروح العصر، والاستفادة إلى أقصى حد من كل الوسائل والأساليب الحديثة التي تفيد في تنميته وتطويره، وكل ذلك بما لا يتعارض مع مقوماته الأساسية.

ولكن تراثنا العربي الإسلامي -شأنه شأن كل جهد بشري- يشتمل على الغث والسمين، ويتضمن جوانب إيجابية وأخرى سلبية، الأمر الذي يعطي الفرصة لبعضهم في تغليب الجانب السلبي على الجانب الإيجابي في بعض الأحوال.

والواجب الإسلامي يقتضينا أن نعمل على تنقية هـذا التراث العظيم وغربلته، وإزالة الغيوم التي تحجب عنا إشراق شمسه، حتى يكون غذاء [ ص: 149 ] فكريا صالحا، يمد المسلم بأسباب القوة التي تعينه على النهوض مرة أخرى بعزم جديد وتصميم أكيد.

وكلنا يعلم أن هـذا التراث يشتمل على الكثير من الخرافات والأوهام والإسرائيليات، وعلى الرغم من أن الإسلام لا يتحمل وزر ذلك كله، فإن المستشرقين يستخدمون تراثنا بكل ما فيه، ويعمد الكثيرون منهم إلى البحث عن تلك الجوانب السلبية والتركيز عليها وتفصيل القول فيها، ظنا منهم أنهم بذلك قد عثروا على نقاط الضعف في الإسلام ذاته. ويكفي في هـذا الصدد أن نشير إلى مثال واحد -من بين أمثلة عديدة لا تحصى- وهو قصة الغرانيق المذكورة في بعض كتب التراث، وهي قصة يعلم الله أن الإسلام برئ منها، ولكن المستشرقين قد ركزوا عليها وسلطوا عليها الأضواء من كل جانب، واعتبروها نقطة ضعف في التوحيد الإسلامي الذي كان -في زعمهم- على استعداد، ولو للحظة واحدة، أن يتخلى عن تشدده مجاملة لمشركي مكة فإذا اتهمنا المستشرقين بالتجني -وهم متجنون بالفعل- حق لهم أن يردوا الاتهام قائلين: نحن لم نخترع شيئا من عندياتنا، أليست القصة ورادة في بعض مصادركم المعتمدة؟

وتنقية التراث يمكن أن يوكل أمرها إلى المؤسسة العلمية الإسلامية التي سبق أن أشرنا إليها، على أن يكون لديها في هـذا الصدد خطة عمل تراعي أيضا الأولويات الملحة، فيما يتعلق بتحقيق كتب التراث ونشرها.

التالي السابق


الخدمات العلمية