الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
الفصل الثاني: المستشرقون وموقفهم من الإسلام

تمهيد

بعد أن تعرفنا في الفصل السابق على الخطوط العريضة لنشأة الاستشراق وتطوره نأتي الآن في هـذا الفصل لنتعرف على الآراء والمواقف الاستشراقية المتصلة بالدراسات الإسلامية على وجه الخصوص، ومدى اقترابها أو ابتعادها من الروح العلمية الموضوعية.

وقبل الدخول مباشرة إلى عرض هـذه الآراء والمواقف نرى أنه من المناسب أولا أن نمهد لذلك باستعراض سريع لبعض النقاط العامة التي تتصل بأعمال المستشرقين عامة.

وفي هـذا الصدد لا بد لنا من الحديث عن المنهج الذي يسيرون عليه في دراساتهم لتحقيق الأهداف التي وضعوها لأنفسهم. ومن خلال ذلك كله سيتضح لنا أن الحركة الاستشراقية تضم تحت جناحيها فئات من المستشرقين، تتميز كل منها عن الأخرى حسب الأهداف التي وضعتها كل فئة لنفسها. [ ص: 57 ]

وبعد الانتهاء من عرض هـذه النقاط العامة يصبح من السهل علينا أن ننتقل إلى استعراض لبعض الآراء الأساسية للمستشرقين فيما يتصل بالإسلام ودراسته. ثم نعقب على ذلك بما نستخلصه من المواقف الاستشراقية إزاء الإسلام.

ونحن بادئ ذي بدء لا ندخل على المستشرقين هـنا دخول المنكر المعاند الباحث عن المثالب، وإنما ندخل عليهم دخول الباحث الذي يتوخى الوصول إلى الحقيقة، وهذا سيجعلنا نتعرف على ما للمستشرقين من إيجابيات تذكر لهم، وما لهم من سلبيات تسجل عليهم. وهذا منهج حثنا الإسلام على اتباعه إحقاقا للحق ووضعا للأمور في نصابها : ( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هـو أقرب للتقوى ) (المائدة: 8) .

فكل من (الثناء المطلق والتحامل المطلق يتنافى مع الحقيقة التاريخية التي سجلها هـؤلاء المستشرقون فيما قاموا به من أعمال، وما تطرقوا إليه من أبحاث) [1] .

وهكذا لن نغمطهم حقهم في تقدير ما لهم من أعمال علمية مفيدة. ولا ضير على المرء إذا اعترف بما لخصمه من مزايا وإيجابيات؛ إذ أن ذلك ربما يكون حافزا لنا على النهوض والاستعداد من جديد، وقبول التحدي الذي تفرضه علينا -نحن المسلمين- ظروف العصر.

والإيجابيات التي سنذكر هـنا طرفا منها بعضها يخص المستشرقين أنفسهم ويتصل بأسلوب عملهم ومدى ترابطهم، والقصد من ذكرها هـو مجرد الاعتبار بها فقط؛ وبعضها الآخر أمور تتصل بإنتاجهم العلمي العملي الذي يعود بعضه بالفائدة على الدارسين العرب، وإن كان المستشرقون قد قصدوا به في المقام الأول خدمة أنفسهم، إلا أنهم مع ذلك لم يحجبوه عن غيرهم. [ ص: 58 ]

وفي الوقت نفسه لن نغمض الطرف عن سلبياتهم الكثيرة، وما اقترفوه في حق الإسلام والمسلمين من تضليل وبهتان.

التالي السابق


الخدمات العلمية