الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت الرجل يقول لامرأته : أنت طالق إن لم أفعل كذا وكذا ولم يوقت ؟

                                                                                                                                                                                      قال مالك : يحال بينه وبينها ويدخل عليه الإيلاء من يوم ترفع ذلك .

                                                                                                                                                                                      وقال غيره إذا تبين للسلطان ضرره بها قال : فأما إن لم يمكنه فعل ما حلف عليه ليفعلنه ، فلا يحال بينه وبين امرأته ولا يضرب له أجل ، فإذا أمكنه فعل ذلك قيل له أنت بسبيل الحنث فلا تقربها ، فإن رفعت أمرها إلى السلطان ضرب له السلطان أجل المولي ، مثل الرجل يقول : امرأتي طالق إن لم أحج ولم يوقت سنة بعينها وهو في أول السنة ، أو قال لأخرجن إلى بلدة فلم يجد سبيلا إلى الخروج من قبل انقطاع الطريق ، ألا ترى أن الحج لا يستطاع في أول السنة ولا يمكنه فعله فيفيء ، وفيئته فعل ما حلف عليه ليفعلنه ولا يمكنه الخروج فيفيء ، ولأن فيء هذا ليس هو بالوطء ، إنما فيئه فعل الشيء الذي لا يمكنه فعله ، فمن ههنا لا يكون بسبيل الحنث ولا يوقف عنها ، ألا ترى أن المولي نفس الإيلاء إذا جاء أجله وأوقفته امرأته وهو مريض أو مسجون أنه يمد له في أجله للعذر الذي هو به لأنه لا يقال له طأ وهو مسجون ولا وهو مريض ، فإذا أمكنه قيل له فئ وإلا طلق عليك ، فكذلك الحالف ليحجن أو ليخرجن إلى البلد ، فإذا أمكنه الخروج إلى البلدة ووجد السبيل إلى الفيء فترك المخرج الذي له صار بسبيل الحنث وترك الحج حتى جاء وقت أن خرج لم يدرك الحج ، فمن حينئذ يقال له لا تصب امرأتك لأنك بسبيل حنث حين تركت ما قدرت عليه من فعلك ما حلفت لتفعلن فإن رفعت امرأته أمرها ضرب له السلطان أجل الإيلاء ، فإن فعل قبل أجل الإيلاء ما هو بره ومخرجه من الحج والخروج إلى البلدة : بر في يمينه وسقط حلفه لم يكن عليه الإيلاء ، وإن جاء وقت الإيلاء ولم يفعل ما أمكنه فعله طلق عليه السلطان بالإيلاء ، فإن ارتجع وفعل الحج والخروج قبل انقضاء العدة كانت امرأته وكانت رجعته ثابتة له لأنه قد بر في يمينه وقد فاء لأن فيئه فعله كما أن فيء المولي نفس الإيلاء الوطء ، ألا ترى أن المولي إذا طلق عليه بعد الأربعة الأشهر [ ص: 342 ] بترك الفيء ثم ارتجع فإن صدق رجعته بفيئه - وهو الوطء قبل انقضاء العدة - ثبتت رجعته وسقطت عنه اليمين .

                                                                                                                                                                                      قال يونس عن ربيعة في الذي يقول : إن لم أضرب فلانا فامرأته طالق قال ربيعة : ينزل بمنزلة المولي إلا أن يكون حلف بطلاقها ألبتة ليضربن رجلا مسلما وليس له على ذلك الرجل وتر ولا أدب ، وإن ضربه إياه - لو ضربه - خديعة من ظلم ، فإن حلف على ضرب رجل هو بهذه المنزلة فرق بينه وبين امرأته لا ينتظر به ولا نعمة عين .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية