الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت لو أن رجلا كاتب أمته على أنه بالخيار ثلاثا فولدت في أيام الخيار فاختار السيد الكتابة ما حال هذا الولد أيكون مكاتبا أم يكون رقيقا ؟

                                                                                                                                                                                      قال : قال لي مالك في الرجل يبيع عبده : على أنه بالخيار أياما سماها فدخل العبد عيب أو مات أن ضمان ذلك على البائع ، قال مالك : ونفقة العبد في أيام الخيار على البائع ، فأرى هذا الرجل إذا باع أمته على أنه بالخيار ثلاثا فوهب لأمته مالا أو تصدق به عليها أن ذلك المال للبائع ; لأن البائع كان ضامنا للأمة وكان عليه نفقتها .

                                                                                                                                                                                      قلت : وسواء إن كان المشتري بالخيار أو البائع إذا ابتاع فاختار الشراء وقد ولدت الأمة في أيام الخيار قال : لم أسمع من مالك فيه شيئا وأرى الولد مع الأم ، ويقال للمشتري : إن شئت فخذ الأم والولد بجميع الثمن أو دع .

                                                                                                                                                                                      قال : وقال مالك في الرجل يبيع العبد فتقطع يده عند المشتري أو تجرح عند المشتري في الأيام الثلاثة : إن عقل ذلك الجرح للبائع قال : ولقد قال مالك في الرجل يبيع عبده وله مال ورقيق وحيوان وعروض وغير ذلك فيشترط المشتري مال العبد فيقبض مشتري العبد رقيق العبد ودوابه فيتلف المال في أيام العهدة الثلاثة قال مالك : ليس للمشتري أن يرجع على البائع بشيء من ذلك ولا يرد العبد

                                                                                                                                                                                      قلت : فإن هلك العبد في يد المشتري أينتقض البيع فيما بينهما ولا يكون للمشتري أن يحبس مال العبد ، ويقول : أنا أختار البيع وأدفع الثمن ، قال : نعم ، لأن العبد إذا مات في أيام العهدة انتقض البيع فيما بينهما ، وإن أصاب العبد عور أو عمى أو [ ص: 490 ] شلل أو دخله عيب فإن المشتري بالخيار إن أحب أن يرد العبد وماله على البائع وينتقض البيع ، فذلك له ، وإن أراد أن يحبس العبد بعينه ويحبس ماله ولا يرجع على البائع فذلك له .

                                                                                                                                                                                      قلت : فإن أراد أن يحبس العبد وماله ويرجع على البائع بقيمة العيب الذي أصاب العبد في أيام العهدة قال : ليس ذلك له ; لأن ضمان العبد في أيام العهدة الثلاثة من العيوب والموت من البائع ويكون المشتري بالخيار إن أحب أن يقبل العبد مجنيا عليه والعقل للبائع فذلك له ، وإن أحب أن يرد العبد فذلك له ، فلما قال لي مالك في عقل جناية العبد في أيام العهدة : إنها للبائع علمت أن الجناية على العبد أيضا في أيام الخيار للبائع إذا أجاز البيع ويكون المشتري بالخيار إن شاء قبل العبد بعينه ويكون العقل للبائع وإن شاء ترك فالولد إذا ولدته الأمة في أيام الخيار مخالف لهذا عندي أراه للمبتاع إن رضي البيع وكذلك المكاتب والمكاتبة عندي أبين أن ولدها إذا ولدته قبل الإجازة أنه يدخل في الكتابة معها وتكون هي على الكتابة وولدها إن أحبت بجميع ذلك في كتابتها وإن كرهت رجعت رقيقا إذا كان الخيار لها قال : فإن كان الخيار للسيد كان له أن يجيز الكتابة لها ويدخل ولدها معها على ما أحبت أو كرهت بالكتابة الأولى فإن أراد أن يردها هي وولدها في الرق فذلك له .

                                                                                                                                                                                      وقال غيره من رواة مالك : إن الولد ليس مع الأم في الكتابة ; لأن الولد زايلها قبل تمام الكتابة وإنما تمت الكتابة بعد زواله ، وكذلك كل ما أصابت من جناية أو أصيبت به أو وهب لها فهو للذي كان يملكها قبل وجوب الكتابة والبيع إلا أن في البيع إن ولدت فالولد للبائع ولا ينبغي للمشتري أن يختار الشراء للتفرقة

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية