الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما الزيادة في الأرض المحتكرة ففي المنية حانوت لرجل في أرض وقف فأبى صاحبه أن يستأجر الأرض بأجر المثل أن العمارة لو رفعت تستأجر بأكثر مما استأجره ، [ ص: 392 ] أمر برفع العمارة ، وتؤجر لغيره وإلا تترك في يده بذلك الأجر ، ومثله في البحر وفيه لو زيد عليه أن إجارته مشاهرة تفسخ عند رأس الشهر ، ثم إن ضر رفع البناء لم يرفع وإن لم يضر رفع أو يتملكه القيم برضا المستأجر فإن لم يرض تبقى إلى أن يخلص ملكه محيط ، [ ص: 393 ] بقي لو إجارته مسانهة أو مدة طويلة والظاهر أنه لا تقبل الزيادة دفعا للضرر عليه ولا ضرر على الوقف ; لأن الزيادة إنما كانت بسبب البناء لا الزيادة في نفس الأرض انتهى . .

التالي السابق


( قوله : وأما الزيادة في الأرض المحتكرة إلخ ) محل ذكر هذه المسائل في أول الفصل الآتي عند ذكر إجارة الوقف . والحاصل : أن مستأجر أرض الوقف إذا بنى فيها ثم زادت أجرة المثل زيادة فاحشة فإما أن تكون الزيادة بسبب العمارة والبناء أو بسبب زيادة أجرة الأرض في نفسها ففي الأول لا تلزمه الزيادة لأنها أجرة عمارته وبنائه ، وهذا لو كانت العمارة ملكه أما لو كانت للوقف كما لو بنى بأمر الناظر ليرجع على الوقف تلزمه الزيادة ولهذا قيد [ ص: 392 ] بالمحتكرة ، وفي الثاني تلزمه الزيادة أيضا كما يأتي بيانه في الفصل ( قوله : أمر برفع العمارة ) ينبغي تقييده بما إذا لم يضر رفعه بالأرض أخذا مما بعده ( قوله : وتؤجر لغيره ) لأن النقصان عن أجر المثل لا يجوز من غير ضرورة بحر . مطلب في استيفاء العمارة بعد الفراغ مدة الإجارة بأجر المثل ( قوله : وإلا ترك في يده بذلك الأجر ) لأن فيها ضرورة بحر عن المحيط وظاهر التعليل تركها بيده ولو بعد فراغ مدة الإجارة ; لأنه لو أمر برفعها لتؤجر من غيره يلزم ضرره ، وحيث كان يدفع أجرة مثلها لم يوجد ضرر على الوقف ، فتترك في يده لعدم الضرر على الجانبين وحينئذ فلو مات المستأجر كان لورثته الاستبقاء أيضا إلا إذا كان فيه ضرر على الوقف بوجه ما ، بأن كان هو أو وارثه مفلسا أو سيئ المعاملة أو متغلبا يخشى على الوقف منه أو غير ذلك من أنواع الضرر كما في حاشية الخير الرملي من الإجارات . وأفتى به في فتاواه الخيرية ، لكنه مخالف لإطلاق المتون والشروح من أنه بعد فراغ المدة يؤمر بالرفع والتسليم وبه أفتى في الخيرية أيضا قبيل باب ضمان الأجير في خصوص الأرض المحتكرة .

قلت : لكن ينبغي تخصيص إطلاق المتون والشروح ، وإخراج الأرض المعدة للاحتكار من هذا الإطلاق ليتوافق كلامهم ، ويؤيد ذلك ما مر عن الخصاف من صحة وقف البناء في الأرض المحتكرة وقدمنا وجهه وهو أن البناء عليها يكون على وجه الدوام . فيبقى التأبيد المشروط لصحة الوقف ومثل ذلك غالب القرى التي هي وقف أو لبيت المال ، فإن أهلها إذا علموا أن بناءهم وغراسهم يقلع كل سنة وتؤخذ القرية من أيديهم ، وتدفع لغيرهم لزم خرابها ، وعدم من يقوم بعمارتها . ومثل ذلك أصحاب الكردار في البساتين ونحوها وكذا أصحاب الكدك في الحوانيت ونحوها فإن إبقاءها في أيديهم سبب لعمارتها ودوام استغلالها ففي ذلك نفع للأوقاف ، وبيت المال ولكن كل ذلك بعد كونهم يؤدون أجرة مثلها بلا نقصان فاحش ، وهذا خلاف الواقع في زماننا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وهذا خلاصة ما حررته في رسالتي المسماة تحرير العبارة فيمن هو أحق بالإجارة فعليك بها فإنها بديعة في بابها مغنية لطلابها ولله تعالى الحمد ( قوله : وفيه ) أي في البحر وعزاه إلى المحيط وغيره ( قوله : لو زيد عليه ) أي من غير أن يزيد أجر المثل في نفسه فتاوى الخيرية ويدل له قوله الآتي والظاهر أنه لا يقبل الزيادة إلخ فظهر أن المراد زيادة متعنت فافهم ( قوله : تفسخ عند رأس الشهر ) أي قبل دخوله لأنه إذا استأجر مشاهرة كل شهر بكذا تصح في الشهر الأول فقط وكلما دخل شهر صحت فيه ( قوله : أو يتملكه القيم ) هذا فيما إذا ضر رفع البناء فكان عليه أن يقول : فإن لم يضر رفع وإن ضر لا بل يتملكه القيم إلخ وعبارة البحر ينظر إن كانت أجرته مشاهرة إذا جاء رأس الشهر كان للقيم فسخ الإجارة ، ثم ينظر إن كان رفع البناء لا يضر بالوقف فله رفعه لأنه ملكه ، وإن كان تضر به فليس له رفعه ; ولأنه وإن كان ملكه فليس له أن يضر بالوقف ، ثم إن رضي المستأجر [ ص: 393 ] أن يتملكه القيم للوقف بالقيمة مبنيا أو منزوعا أيهما كان أخف يتملكه القيم وإن لم يرض لا يتملك لأن التملك بغير رضاه لا يجوز فيبقى إلى أن يخلص ملكه . ا هـ . .

قلت : سيأتي في كتاب الإجارات إنه إن ضر يتملكه القيم لجهة الوقف جبرا على المستأجر كما في عامة الشروح فيعول عليها لأنها لنقل المذهب بخلاف قول الفتاوى ا هـ وذكر مثله في المنح هناك وحاصله أنهم في الفتاوى كالمحيط والخانية والعمادية جعلوا الخيار للمستأجر ولو كان القلع يضر وأصحاب الشروح جعلوا الخيار للناظر إن ضر وإلا فللمستأجر ولا يخفى أن كلاما مما في الفتاوى والشروح مخالف لما مر من قوله ، وإلا تترك في يده كما نبهنا عليه آنفا وعلمت التوفيق على التحقيق ( قوله : والظاهر أنه لا تقبل الزيادة إلخ ) حاصله أنها مثل المشاهرة فإنه في المشاهرة لا تقبل الزيادة أيضا بل يصبر إلى انتهاء الشهر . والحاصل : أنه لا تقبل الزيادة في كل الصور حيث لم تزد أجرة مثله في ذاتها للزوم العقد ، وعدم موجب الفسخ فلو قال والظاهر أنها كذلك لكان أخصر وأولى أفاده الخير الرملي في حاشية البحر . .




الخدمات العلمية