الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 484 ] ومنها لو تزوجت من غير كفء فسكت الولي حتى ولدت كان سكوته رضا زيلعي . ومنها ما في المحيط : رجل زوج رجلا بغير أمره فهنأه القوم وقبل التهنئة فهو رضا لأن قبول التهنئة دليل الإجازة . ومنها أن الوكالة تثبت بالصريح ، ولذا قال في الظهيرية . لو قال ابن العم للكبيرة إني أريد أن أزوجك من نفسي فسكتت فزوجها جاز ، ذكره المؤلف في بحره من بحث الأولياء . ومنها سكوت أهل العلم والصلاح في التعديل كما في شهادات البحر . قال : ويكتفى بالسكوت من أهل العلم والصلاح فيكون سكوته تزكية للشاهد ; لما في الملتقط : وكان الليث بن مساور قاضيا فاحتاج إلى تعديل وكان المزكي مريضا فعاده القاضي وسأله عن الشاهد فسكت المعدل ثم سأله فسكت ، فقال أسألك ولا تجيبني ؟ فقال المعدل : أما يكفيك من مثلي السكوت . قلت : قد عد هذه في الأشباه معزيا لشهادات شرحه فكيف تكون زائدة نعم زاد تقييده بكونه من أهل العلم والصلاح فعدها من الزوائد . ومنها لو أن العبد خرج لصلاة الجمعة فرآه مولاه فسكت حل له الخروج لها ، لأن السكوت بمنزلة الرضا كما في جمعه البحر . ومنها ما في القنية بعد أن رقم بعلامة ( قع عت ) ولو زفت إليه بلا جهاز فله أن يطالب بما بعث إليها من الدنانير وإن كان الجهاز قليلا فله المطالبة بما يليق بالمبعوث في عرفهم ( نج ) يفتى بأنه إذا لم تجهز بما يليق فله استرداد ما بعث - [ ص: 485 ] والمعتبر ما يتخذه للزوج لا ما يتخذ لها ; ولو سكت بعد الزفاف زمانا يعرف بذلك رضاه لم يكن له أن يخاصم بعد ذلك وإن لم يتخذ له شيء . ومنها إذا أبرأه فسكت صح ، ولا يحتاج إلى القبول هكذا ذكره البرهان في الاختيارات في كتاب الإقرار . ومنها سكوت الراهن عند بيع المرتهن الرهن يكون مبطلا في إحدى الروايتين ذكره الزيلعي وغيره ، وهي تعلم من الأشباه أول القاعدة ، الحمد لله العزيز الوهاب ، وهو أعلم بالصواب .

التالي السابق


( قوله : لو تزوجت من غير كفء إلخ ) هذه مبنية على ظاهر الرواية ، وأما على رواية الحسن المفتى بها فلا ينعقد النكاح ط ( قوله : لأن قبول التهنئة دليل الإجازة ) أي دليل على أن سكوته وقت التزويج كان رضا وإجازة ، وبهذا يظهر أنه لا يلزم أن يكون قبول التهنئة بدون قول فافهم ( قوله : ومنها أن الوكالة تثبت بالصريح إلخ ) الأولى أن يقول : تثبت بالسكوت كما تثبت بالصريح . وفي نسخة : كما تثبت بالصريح تثبت بالسكوت وهي أوضح ، والمراد بالوكالة التوكيل كما يفيده التمثيل ، وإلا فقد عد من جملة المسائل المزيد عليها وهو السابع منها سكوت الوكيل قبول ، والمراد به التوكل لا التوكيل تأمل ( قوله فكيف تكون إلخ ) اختلفت النسخ في هذه العبارة فالذي في أغلب النسخ : فكيف يكون أن فيه تقييده بكونه من أهل العلم والصلاح فعدها من الزوائد ، وفي بعضها لكون باللام ونعدها بالنون بدل الفاء ، وعليه فقوله لكون علة لقول نعدها ، والمعنى كيف نعدها من الزوائد لأجل كونه قيد المزكي بكونه من أهل العلم والصلاح .

وحاصله الاعتراض على صاحب زواهر الجواهر بأن قول الأشباه سكوت المزكي عند السؤال عن الشاهد تعديل مقيد بكونه من أهل العلم والصلاح فلا يكون بزيادة هذا القيد ، زاد عليه مسألة أخرى وفي بعض النسخ : فكيف تكون من الزوائد ، إلا أن يقال : فيه تقييده بكونه من أهل العلم والصلاح فعدها من الزوائد ا هـ وعليه فهو اعتذار لا اعتراض ( قوله : بعلامة قع عت ) الأول بالقاف والعين المهملة رمز للقاضي عبد الجبار ، والثاني بالعين المهملة والتاء رمز لعلاء الدين الترجماني ا هـ ح ( قوله : من الدنانير ) أي التي يبعثها الزوج إلى أبي الزوجة بمقابلة الجهاز ، وهي المسماة في عرفهم بالدستيمان كما قدمناه ، وقدمنا تحقيقه في باب المهر واختلاف التصحيح والتوفيق بين ما إذا كان من جملة المسمى في المهر أو كان المسمى غيره ، ففي الثاني له المطالبة بالجهاز لا في الأول فافهم .

( قوله : نج ) بالنون والجيم كما رأيته في نسخة مصححة من القنية ، وهو رمز لنجم الأئمة الحكيمي ، [ ص: 485 ] وبعد هذا الرمز يفتى بأنه : ويوجد في بعض نسخ الشارح فح بالفاء والحاء وبعده يعني مضارع عنى وهو تحريف ( قوله ولو سكت إلخ ) هو المقصود من ذكر هذه المسألة ( قوله : ومنها إذا أبرأه فسكت ) أطلقه فشمل سائر الديون ، وقيده في مداينات الأشباه نقلا عن البدائع بغير بدل الصرف والسلم ، ففيها يتوقف على القبول : أي لأن الإبراء عنهما يوجب انفساخ عقدهما فلا ينفرد أحد المتعاقدين به لأنه يوجب فوات القبض المستحق . وزاد الحموي ثالثة ، وهي ما لو أبرأ الطالب الأصيل فإنه يتوقف على قبوله أو موته قبل القبول لأنه قبول حكما ( قوله : وهي تعلم من الأشباه ) حيث قال : ولو رأي المرتهن الراهن يبيع الرهن لا يبطل الرهن ولا يكون رضا في رواية ا هـ قال : الزيلعي : والمذهب ما روى الطحاوي عن أصحابنا أنه رضا ويبطل الرهن ا هـ من حاشية الفتال . قال : ح : واعلم أن البائع في عبارة الأشباه هو الراهن وفي عبارة الشارح هو المرتهن كما لا يخفى ، لكن الحكم لا يختلف لما يأتي أن الرهن لا يبيعه أحدهما إلا برضا الآخر ا هـ .

[ تتمة ] زاد بعضهم ما إذا استأجر أحد الوصيين أو أحد الورثة بحضرة الوصيين من يحمل الجنازة إلى المقبرة والآخر حاضر ساكت والسكوت على البدعة والمنكر فإنه رضا أي مع القدرة على الإزالة وإلا كفاه الإنكار بالقلب وما لو أوصى لرجل فسكت في حياته فلما مات باع الوصي بعض التركة أو تقاضى دينه فهو قبول للوصاية كما عزاه الحموي إلى معين الحكام . وزاد البيري : ما لو غزلت امرأته قطنه أو نسجت غزله ليس له تضمينها قيمته محلوجا أو مغزولا وبعد سكوته رضا ، وكذا لو عجن العجين أو أضجع شاة فجاء إنسان وخبزه أو ذبحها يكون السكوت كالأمر دلالة .




الخدمات العلمية