الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وتم العقد بموته ) ولا يخلفه الوارث كخيار رؤية وتغرير ونقد [ ص: 582 ] لأن الأوصاف لا تورث ، وأما خيار العيب والتعيين وفوات الوصف المرغوب فيه فيخلفه الوارث فيها لا أنه يرث خياره درر فليحفظ

التالي السابق


( قوله : وتم العقد إلخ ) أي تحصل الإجازة بواحد مما ذكر ، وهو كلام موهوم ، فإن في بعضها يكون إجازة سواء كان الخيار للبائع أو للمشتري وهو الموت ومضي المدة ، وفي بعضها إذا كان للمشتري وهو الإعتاق وتوابعه ، فلو للبائع كان فسخا أفاده في البحر . ( قوله : بموته ) أي موت من له الخيار بائعا كان أو مشتريا ; لأن موت غيره لا يتم به العقد بل الخيار باق لمن شرط له فإن أمضى العقد مضى وإن فسخه انفسخ كما في الفتح نهر . وفي جامع الفصولين : لو الخيار لهما فمات أحدهما لزم البيع من جهته والآخر على خياره . وفيه أيضا : وكيل البيع أو الوصي باع بخيار أو المالك باع بخيار لغيره فمات الوكيل أو الوصي أو الموكل أو الصبي أو من باع بنفسه أو من شرط له الخيار قال : محمد : يتم البيع في كل ذلك ; لأن لكل منهم حقا في الخيار والجنون كالموت . ا هـ .

وكذا الإغماء ، وتمامه في النهر . ( قوله : ولا يخلفه الوارث ) لأنه ليس إلا مشيئة وإرادة ، ولا يتصور انتقاله والإرث فيما يقبل الانتقال : هداية . ( قوله : كخيار رؤية ) نص على ذلك في الغرر والوقاية والنقاية ومختصرها والملتقى والإصلاح والبحر والنهر ، وكذا في الهداية والفتح من باب خيار الرؤية ، ولم أر من ذكر فيه خلافا ، وعليه فما في فرائض شرح البيري عن شرح المجمع لابن الضياء من أن الصحيح أن خيار الرؤية يورث فهو غريب ولعل أصل العبارة لا يورث . تأمل . ( قوله : وتغرير ونقد ) لم يذكرهما في الدرر ، بل ذكر المصنف الأول منهما في المنح بحثا ، وذكر الثاني في النهر بحثا أيضا . ووجه ذلك أن الحقوق المجردة لا تورث ، وكأن الوجه لما قوي عند الشارح جزم به . وقد رأيت مسألة النقد في شرح البيري عن خزانة الإكمال نص على أنه لو مات قبل نقد الثمن بطل البيع وليس لوارثه نقده . وأما مسألة التغرير فقد وقع فيها اضطراب ، فنقل الشارح في آخر باب المرابحة علي المقدسي أنه أفتى بمثل ما بحثه المصنف هنا ، ذكر أن المصنف ذكر في شرح منظومته الفقهية أن خيار التغرير يورث كخيار العيب وأن ابن المصنف أيده ، وسيذكر إن شاء الله - تعالى - ما فيه هناك ، نعم بحث الخير الرملي أيضا في حاشية البحر أنه يورث قياسا على خيار فوات الوصف المرغوب فيه كشراء عبد على أنه خباز وقال : إنه به أشبه ; لأنه اشتراه بناء على قول البائع فكان شارطا له اقتضاء وصفا مرغوبا فبان بخلافه .

وقد اختلف تفقه الشيخ علي المقدسي والشيخ محمد الغزي في هذه المسألة لأنهما لم يرياها منقولة ، ومال الشيخ علي لما قلته فقال : والذي أميل إليه أنه مثل خيار العيب يعني فيورث . ا هـ . وبه علم أن ما نقله الشارح عن المقدسي مخالف لما نقله عنه الرملي ، لكن سيأتي في المرابحة أنه لو ظهر له خيانة في المرابحة له رده ، ولو هلك المبيع قبل رده أو حدث به ما يمنع من الرد لزمه جميع الثمن وسقط خياره ، وعللوه هناك بأنه مجرد خيار لا يقابله شيء من الثمن كخيار الرؤية والشرط ، بخلاف خيار العيب ; لأن المستحق فيه جزء فائت فيسقط ما يقابله . وأخذ منه في البحر هناك أن خيار ظهور الخيانة لا يورث كما سنذكره هناك . ولا يخفى أن التغرير أشبه بظهور الخيانة في المرابحة فكان إلحاقه به أولى من إلحاقه بالوصف المرغوب ; لأن الوصف المرغوب بمنزلة جزء من المبيع فيقابله جزء من الثمن حيث كان الوصف مشروطا ، فإذا فات يسقط ما يقابله كخيار العيب ، وليس في التغرير شيء من ذلك بل هو مجرد خيار [ ص: 582 ] لا يقابله شيء من الثمن مثل خيار الخيانة في المرابحة ، وبه يعلم أن الأرجح أنه لا يورث كما جزم به الشارح ، والله سبحانه أعلم .

( قوله : لأن الأوصاف لا تورث ) هذا التعليل إنما يناسب التعبير بأن خيار الشرط لا يورث كما وقع في الدرر والوقاية والشارح إنما عبر بأنه لا يخلفه الوارث ; لأنه أضبط ; لأن ما لا يورث قد يخلفه الوارث فيه كخيار العيب ، فكان الأولى التعليل بأن الأوصاف لا تنتقل كما مر عن الهداية أي فإن خيار الشرط مجرد مشيئة وإرادة ، وذلك وصف لصاحب الخيار فلا يمكن انتقاله إلى الوارث لا بطريق الإرث ولا بطريق الخلافة ، ومثله خيار الرؤية والتغرير . ولا يخفى أن هذا لا يتأتى في خيار النقد ; لأن نقد الثمن فعل لا وصف ، وهذا يرجح أنه كخيار العيب تأمل . [ تتمة ] :

في شرح البيري عن شرح المجمع لابن الضياء : وأجمعوا أن خيار القبول لا يورث ، وكذا خيار الإجازة في بيع الفضولي . ا هـ . والمراد بخيار القبول خيار المجلس ، وهو أن يقبل في مجلس العقد بعد إيجاب الموجب . ( قوله : وفوات الوصف المرغوب فيه ) هذا غير موجود في الدرر ، نعم ذكره في البحر والنهر . ووجهه ظاهر ; لأنه في معنى العيب . ( قوله : فيخلفه الوارث فيها إلخ ) لأن المورث استحق المبيع سليما من العيب فكذا الوارث ، وكذا خيار التعيين يثبت للوارث ابتداء لاختلاط ملكه بملك غيره لا أن يورث الخيار هداية ، ويدل على أن ذلك ليس بطريق الإرث ما في الدرر من أن الوارث يثبت له الخيار فيما تعيب في يد البائع بعد موت المورث وإن لم يثبت للمورث . ا هـ . وفي غاية البيان : والدليل على أن هذا الخيار للوارث غير ما كان للمورث أن المشتري كان له أن يختار أحدهما أو يردهما ، وليس للوارث أن يردهما ، وخيار المشتري كان موقتا وللورثة يثبت غير موقت . ا هـ




الخدمات العلمية