الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( لا ) يقطع ( بتافه ) أي حقير ( يوجد مباحا في دارنا كخشب لا يحرز ) عادة ( وحشيش وقصب وسمك و ) لو مليحا و ( طير ) ولو بطا أو دجاجا في الأصح غاية ( وصيد وزرنيخ ومغرة ونورة ) زاد في المجتبى : وأشنان وفحم وملح وخزف وزجاج لسرعة كسره ( ولا بما يتسارع فساده كلبن ولحم ) ولو قديدا وكل مهيأ لأكل كخبز ، وفي أيام قحط لا قطع بطعام مطلقا شمني ( وفاكهة رطبة [ ص: 92 ] وثمر على شجر وبطيخ ) وكل ما لا يبقى حولا ( وزرع لم يحصد ) لعدم الإحراز ( وأشربة مطربة ) ولو الإناء ذهبا ( وآلات لهو ) ولو طبل الغزاة في الأصح لأن صلاحيته للهو صارت شبهة غاية ( وصليب ذهب أو فضة وشطرنج ونرد ) لتأويل الكسر نهيا عن المنكر

التالي السابق


( قوله لا يقطع بتافه إلخ ) أي إذا سرق من حرز لا شبهة فيه بعد أن أخذ وأحرز وصار مملوكا فتح ( قوله يوجد مباحا في دارنا ) أي يوجد جنسه مباحا في الأصل بصورته الأصلية ، بأن لم يحدث فيه صنعة متقومة غير مرغوب فيه ، فخرج بصورته الأبواب والأواني من الخشب ، وبغير مرغوب فيه نحو المعادن من الذهب والصفر واليواقيت واللؤلؤ ونحوها من الأحجار فيقطع لكونها مرغوبا فيها .

وعلى هذا نظر بعضهم في الزرنيخ : بأنه ينبغي القطع به لإحرازه في دكاكين العطارين كسائر الأموال ، بخلاف الخشب ; لأنه إنما يدخل الدور للعمارة فكان إحرازه ناقصا ، بخلاف الساج والأبنوس . واختلف في الوسمة والحناء والوجه القطع لإحرازه عادة في الدكاكين ، كذا في الفتح ، ومفاده اعتبار العادة في الإحراز ( قوله لا يحرز عادة ) احتراز عن الساج والأبنوس . قلت : وقد جرت العادة إحراز بعض الخشب كالمخروط والمنشور دفوفا وعواميد ونحو ذلك ، فينبغي القطع به كما يفيده ما مر تأمل ( قوله ولو مليحا ) بتشديد اللام ، ودخل فيه الطري بالأولى ( قوله وطير ) ; لأن الطير يطير فيقل إحرازه فتح ( قوله وصيد ) هو الحيوان الممتنع المتوحش بأصل خلقته إما بقوائمه أو بجناحيه ، فالسمك ليس منه ابن كمال ( قوله وزرنيخ ) بالكسر فارسي معرب مصباح ( قوله ومغرة ) بفتح الميم وسكون الغين المعجمة وتحرك : الطين الأحمر ، وظاهر كلام الصحاح والقاموس أن التسكين هو الأصل والتحريك خلافه ، وظاهر المصباح العكس نوح ( قوله ونورة ) بضم النون حجر الكلس ، ثم غلب على أخلاط تضاف إلى الكلس من زرنيخ وغيره ، ويستعمل لإزالة الشعر مصباح ، وكذا ضبطها بالضم في القاموس ( قوله وخزف وزجاج ) الخزف : كل ما عمل من طين وشوي بالنار حتى يكون فخارا قاموس ، قال في الفتح : ولا يقطع في الآجر والفخار ; لأن الصنعة لا تغلب فيها على قيمتها .

وظاهر الرواية في الزجاج أنه لا يقطع ; لأنه يسرع إليه الكسر فكان ناقص المالية . وعن أبي حنيفة : يقطع كالخشب إذا صنع منه الأواني . ا هـ . وفي الزيلعي : ولا قطع في الزجاج ; لأن المكسور منه تافه والمصنوع منه يتسارع إليه الفساد . ا هـ . قلت : وظاهره أنه لا يقطع في الزجاج وإن غلبت عليه الصنعة ، وهل يقال مثله في الصيني والبلور مع أنه قد يبلغ بالصنعة نصبا كثيرة ، ومفهوم علة الفخار أنه يقطع به تأمل ( قوله وكل مهيأ لأكل ) أما غير المهيأ مما لا يتسارع إليه الفساد كالحنطة والسكر فإنه يقطع فيه إجماعا كما في الفتح ( قوله مطلقا ) ولو غير مهيأ ; لأنه عن ضرورة ظاهرا وهي تبيح التناول فتح ( قوله وفاكهة رطبة ) كالعنب والسفرجل والتفاح والرمان وأشباه ذلك [ ص: 92 ] ولو كانت محروزة في حظيرة عليها باب مقفل .

وأما الفواكه اليابسة كالجوز واللوز فإنه يقطع فيها إذا كانت محرزة جوهرة ( قوله وثمر على شجر ) ; لأنه لا إحراز فيما على الشجر ولو كان الشجر في حرز ، لما في كافي الحاكم ، وإن سرق التمر من رءوس النخل في حائط محرز أو حنطة في سنبلها لم تحصد لم يقطع ، فإن أحرز التمر في حظيرة عليها باب أو حصدت الحنطة وجعلت في حظيرة فسرق منها قطع ، وكذلك إن كانت في صحراء وصاحبها يحفظها ا هـ ( قوله وأشربة مطربة ) أي مسكرة . والطرب : استخفاف العقل من شدة حزن وجزع حتى يصدر عنه ما لا يليق كما تراه من صياح الثكالى وضرب خدودهن وشق جيوبهن ، أو شدة سرور توجب ما هو معهود من الثمالى . ثم الشراب إن كان حلوا فهو مما يتسارع إليه الفساد ، أو مرا فإن كان خمرا فلا قيمة لها أو غيره ففي تقويمه خلاف ولتأول السارق فيه الإراقة ، فتثبت شبهة الإباحة ، وتمامه في الفتح ، وشمل ما إذا كان السارق مسلما أو ذميا كما في البحر .

( قوله ولو الإناء ذهبا ) أي على المذهب ; لأن الإناء تابع ولم يقطع في المتبوع فكذا في التبع وفي رواية عن أبي يوسف أنه يقطع ، وهو قول الأئمة الثلاثة ورجحه في الفتح فيما تعاين ذهبيته بأن الظاهر أن كلا مقصود بالأخذ بل أخذ الإناء أظهر : واستشهد بما في التجنيس : سرق كوزا فيه عسل وقيمة الكوز تسعة وقيمة العسل درهم يقطع ، وهو نظير ما تقدم فيمن سرق ثوبا لا يساوي عشرة مصرور عليه عشرة يقطع إذا علم أن عليه مالا ، بخلاف ما إذا لم يعلم ا هـ ملخصا ، وأقره في البحر ( قوله وآلات لهو ) أي بلا خلاف لعدم تقومها عندهما حتى لا يضمن متلفها . وعنده وإن ضمنها لغير اللهو إلا أن يتأول آخذها للنهي عن المنكر فتح ( قوله وصليب ) هو بهيئة خطين متقاطعين ، ويقال لكل جسم صليب فتح .

( قوله وشطرنج ) بكسر الشين فتح ، قيل هو عربي ، وقيل معرب ، وهو داخل في آلات اللهو ، وكذا النرد بفتح النون ( قوله لتأويل الكسر إلخ ) علة للثلاثة . وعن أبي يوسف : يقطع بالصليب لو في يد رجل في حرز لا شبهة فيه ، لا لو في مصلاهم لعدم الحرز وجوابه ما قلنا من تأويل الإباحة فتح . قلت : لكن هذا التأويل لا يظهر فيما لو كان السارق ذميا . ثم رأيت في الذخيرة ذكرها هذا التفصيل عن أبي يوسف في الذمي ، ووجهه ظاهر ; لأن مصلاهم بمنزلة المسجد : فلذا لم يقطع ، بخلاف الحرز فيقطع ; لأنه لا تأويل له ، إلا أن يقال تأويل غيره يكفي في وجود الشبهة فلا يقطع تأمل . وفي النهر : ولو سرق دراهم عليها تمثال قطع ; لأنه إنما أعد للتمول فلا يثبت فيه تأويل




الخدمات العلمية