الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
7590 3703 - (7646) - (2 \ 269) عن أبي هريرة، قال: أرسل ملك الموت إلى موسى، فلما جاءه، صكه ففقأ عينه، فرجع إلى ربه - عز وجل - ، فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت! قال: فرد الله - عز وجل - إليه عينه، وقال: ارجع إليه، فقل له: يضع يده على متن ثور ، فله بما غطت يده بكل شعر; سنة. فقال: أي رب! ثم مه؟ قال: ثم الموت. قال: فالآن. فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فلو كنت ثم، لأريتكم قبره إلى جانب الطريق، تحت الكثيب الأحمر". [ ص: 276 ]

التالي السابق


[ ص: 276 ] * قوله: " أرسل ملك الموت. . . إلخ ": لم ترد تسميته في حديث مرفوع، وورد عن وهب بن منبه: أن اسمه عزرائيل، رواه أبو الشيخ في "العظمة"، ذكره السيوطي في "حاشية النسائي" .

* " صكه ": لطمه .

* " ففقأ ": بهمزة في آخره; أي: شق .

* " على متن ثور ": - بفتح ميم وسكون مثناة من فوق - : هو الظهر .

* " ثم مه؟ ": هي "ما" الاستفهامية، حذفت ألفها، وألحق بها هاء السكت; أي: ماذا؟* " أن يدنيه ": من الإدناء; أي: يقربه .

* " رمية ": - بفتح الراء - : أي: قدر رمية .

* " فلو كنت ثم ": - بفتح المثلثة وتشديد الميم - ; أي: هناك .

* " تحت الكثيب ": - بالمثلثة، وآخره موحدة - بوزن عظيم: الرمل المجتمع، وفيه إشكال من حيث إنه كيف لموسى أن يلطم ملك الموت الذي جاءه من الله تعالى ليقبض روحه؟ ومن حيث إنه يفيد أن موسى ما كان معتقدا للموت والفناء له، بل كان يعتقد البقاء له، أو يظنه، فانظر إلى قول الملك: عبد لا يريد الموت، وانظر إلى قول موسى: أي رب! ثم مه؟ حتى إذا علم أنه بالآخرة الموت، قال: فالآن. والناس ما ذكروا في تأويله ما يدفع الإيراد بتمامه، بل ولا يفي ببعضه، والأقرب عندي أن الحديث من المتشابهات التي يفوض تأويلها إلى الله تعالى، لكن إن أول، فأقرب التأويل أن يقال: كان موسى ما علم أولا أنه جاءه بإذن الله; [ ص: 277 ] بسبب اشتغاله بأمر من الأمور المتعلقة بقلوب الأنبياء - عليهم السلام - ، فلما سمع منه: أجب ربك، أو نحوه، وصار ذلك قاطعا له عما كان فيه، ولم ينتقل ذهنه بما استولى عليه من سلطان الاشتغال أنه جاء بأمر الله، حركه نوع غضب وشدة حتى فعل ما فعل، ولعل سر ذلك إظهار وجاهته عند الملائكة الكرام، فصار ذلك سببا لهذا الأمر .

* وأما قول الملك: " لا يريد الموت ": فذاك بالنظر إلى ظاهر ما فعل من المعاملة .

* وأما قوله: " ارجع إليه فقل. . . إلخ " لعل ذلك لنقله من حالة الغضب إلى حالة اللين; ليتنبه بما فعل .

* وأما قول موسى: " ثم ماذا؟ ": فلعله لم يكن لشك منه في الموت بالآخرة، بل لتقرير أنه لا يستبعد الموت حالا إذا كان هو آخر الأمر مآلا وكون الموت آخر الأمر معلوما عنده، فلم يكن ما وقع منه لاستبعاده الموت حالا، وذلك لأنه حين انتقل إلى حالة اللين، علم أن ما وقع منه لا ينبغي وقوعه منه، وكذا علم أن ما جاء به الملك عنده من قوله: يضع يده إلخ بمنزلة الاعتراض عليه بأنه يستبعد الموت، أو يريد الحياة حالا، فأراد بهذا الاعتذار عما فعل، وقرر أن الذي فعله ليس لاستبعاده الموت حالا; إذ لا يجيء ذلك ممن يعلم أن الموت هو آخر أمره، فصار كأنه قال: إن الذي فعله إنما فعله لأمر آخر كان من مقتضى ذلك الوقت، وتلك الحالة التي كان فيها، والله تعالى أعلم .

* * *




الخدمات العلمية