الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
8010 3957 - (8071) - (2 307 - 308) عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى بن مريم، قال: وكان من بني إسرائيل رجل عابد يقال له: جريج، فابتنى صومعة وتعبد فيها، قال: فذكر بنو إسرائيل يوما عبادة جريج، فقالت بغي منهم: لئن شئتم لأفتننه! فقالوا: قد شئنا. قال: فأتته فتعرضت له، فلم يلتفت إليها، فأمكنت نفسها من راع كان يؤوي غنمه إلى أصل صومعة جريج، فحملت، فولدت غلاما، فقالوا: ممن؟ قالت: من جريج . فأتوه فاستنزلوه، فشتموه وضربوه وهدموا صومعته، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: إنك زنيت بهذه البغي، فولدت غلاما. قال: وأين هو؟ قالوا: ها هو ذا. قال: فقام فصلى ودعا، ثم انصرف إلى الغلام فطعنه بأصبعه، فقال: بالله يا غلام! من أبوك; قال: أنا ابن الراعي، فوثبوا إلى جريج فجعلوا يقبلونه، وقالوا: نبني صومعتك من ذهب ، قال: لا حاجة لي في ذلك، ابنوها من طين كما كانت. [ ص: 425 ] قال: وبينما امرأة في حجرها ابن لها ترضعه، إذ مر بها راكب ذو شارة، فقالت: اللهم اجعل ابني مثل هذا. قال: فترك ثديها، وأقبل على الراكب فقال: اللهم لا تجعلني مثله. قال: ثم عاد إلى ثديها يمصه". قال أبو هريرة: فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي صنيع الصبي ووضعه أصبعه في فمه، فجعل يمصها. "ثم مر بأمة تضرب، فقالت: اللهم لا تجعل ابني مثلها. قال: فترك ثديها، وأقبل على الأمة فقال: اللهم اجعلني مثلها. قال: فذلك حين تراجعا الحديث، فقالت: حلقى! مر الراكب ذو الشارة فقلت: اللهم اجعل ابني مثله، فقلت: اللهم لا تجعلني مثله، ومر بهذه الأمة فقلت: اللهم لا تجعل ابني مثلها، فقلت: اللهم اجعلني مثلها! فقال: يا أمتاه! إن الراكب ذا الشارة جبار من الجبابرة، وإن هذه الأمة يقولون: زنت، ولم تزن، وسرقت، ولم تسرق، وهي تقول: حسبي الله".

التالي السابق


* قوله: " إلا ثلاثة ": أي: لم يتكلم في بني إسرائيل، أو لم يتكلم وهو في المهد، إلا ثلاثة، فلا يرد النقض بشاهد يوسف; فقد جاء عن ابن عباس وغيره: أنه تكلم صغيرا، ولا بما جاء في قصة أصحاب الأخدود: أن صبيا قال لأمه: "يا أماه! اصبري; فإنك على الحق" رواه مسلم، ولا بما جاء أن ابنا رضيعا قال لماشطة بنت فرعون: "اصبري يا أماه; فإنا على الحق"، رواه أحمد، والبزار، وابن حبان، والحاكم، من حديث ابن عباس، وقد ذكر غيرهم أيضا، ويمكن [ ص: 426 ] أن يكون سن المهد ستة أشهر أو نحوها، ويكون كلام الثلاثة في هذا السن، وكلام غيرهم بعد هذا السن، والله تعالى أعلم .

* " صومعة ": - بفتح مهملتين وميم - : هي نحو المنارة ينقطع فيها رهبانالنصارى .

* " فذكروا بنو إسرائيل ": كذا في بعض النسخ، وهو على لغة: "أكلوني البراغيث" .

* " بغي ": - بتشديد الياء - ; أي: زانية .

* " لأصبينه ": أي أوقعه في الفتنة والزنى .

* " يؤوي ": يضم في الليل والمطر .

* " يقبلونه ": من التقبيل .

* " ذو شارة ": - بالشين المعجمة والراء المخففة - : صاحب هيئة حسنة أو بحسن حسن يتعجب منه ويشار إليه .

* " مثل هذا ": في جمال الهيئة وكمال الحال .

* " يمصه ": - بفتح الميم - .

* " ثم مر ": على بناء المفعول .

* " تضرب ": على بناء المفعول .

* " فذلك حين ترافعا ": الظاهر رفع "حين" على أنه خبر ذلك; إذ لا معنى للظرفية إلا بتكلف; أي: فذلك الوقت وقت مراجعة الأم والابن الحديث، وتصحيح النصب بتقدير: فذلك الكلام كان منهما حين ترافعا بعيد .

* " حلقى ": قيل: المعروف في اللغة - التنوين - على أنه مصدر محذوف الفعل; أي: حلقك الله حلقا، لكن قد اشتهر على الألسنة بلا تنوين .

* * *




الخدمات العلمية