الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
7127 3350 - (7167) - (2 \ 232) عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم ". [ ص: 68 ]

التالي السابق


[ ص: 68 ] *قوله: " كلمتان خفيفتان. . . إلخ ": المراد بالكلمة: اللغوية، أو العرفية،لا النحوية، وخفتهما: سهولتهما على اللسان; لقلة حروفهما، وحسن نظمهما، واشتمالهما على الاسم الجليل الذي ترغب الطباع إلى ذكره، فكأنهما في ذلك كالحمل الخفيف الذي يسهل حمله، وثقلهما في الميزان; لعظمهما قدرا عند الله، ومعنى " حبيبتان إلى الرحمن ": أنهما موصوفتان بكثرة المحبوبية عنده تعالى كما تفيده الأحاديث الأخر، مثل: "أحب الكلام إلى الله: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم "، وإلا فجميع الذكر محبوب عنده تعالى، وفي لفظ: "الرحمن" زيادة ترغيب في هذا الذكر بأنه الذي ترجى رحمته بلا عمل، فكيف إذا أتى بما هو محبوب إليه؟ ثم الظاهر أن قوله: "كلمتان" خبر لقوله: "سبحان الله. . . إلخ " قدم على المبتدأ; لتشويق السامع إليه، وذلك لأن "كلمتان ": نكرة، و"سبحان الله. . . إلخ " معرفة; لأنه أريد به نفسه، واللفظ إن أريد به نفسه، يكون معرفة حقيقة عند من قال: توضع الألفاظ لأنفسها، وحكما عند من نفاه، والمعرفة لا تكون خبرا لنكرة عند غالب النحاة، ومعنى " سبحان الله ": تنزيهه عن كل ما لا يليق بجنابه العلي، وهو مصدر لفعل مقدر; أي: أسبح الله تسبيحا، والواو في "وبحمده" للحال، بتقدير: وأنا ملتبس بحمده، وقيل: للعطف; أي: أنزهه وألتبس، وقيل: زائدة; أي: أسبحه ملتبسا بحمده هذا. وقال الكرماني: "حبيبتان" بمعنى: محبوبتان، والفعيل بمعنى المفعول، سيما إذا ذكر موصوفه، يستوي فيه المذكر والمؤنث، فما وجه التأنيث هاهنا؟ وأجاب بأن التسوية جائزة لا واجبة، أو واجبة في المفرد لا في المستثنى، أو [ ص: 69 ] التأنيث لمناسبة الخفيفة والثقيلة; لأنها فعيل بمعنى: فاعل، أو هذه التاء للنقل من الوصفية إلى الاسمية، وقد يقال: هي فيما لم يقع عليه الفعل بعد، تقول: ذبيحة فلان: للشاة التي لم تذبح، وإذا وقع عليه الفعل، فهي ذبيح، انتهى. قلت: حمل أحد الفعلين على الآخر كثير كما قيل في: قريب، في قوله تعالى: إن رحمت الله قريب [الأعراف: 56 ]، وبغي في قوله تعالى: وما كانت أمك بغيا [مريم: 28 ]، سيما و"حبيب" جاء بمعنى الفاعل والمفعول جميعا، فالحمل فيه غير بعيد. وللمحقق ابن الهمام رسالة اختار فيها أن: "سبحان الله. . . إلخ " هو الخبر; لأنه مؤخر لفظا، والأصل عدم مخالفة اللفظ محله إلا لموجب يوجبه، ولأنه محط الفائدة بنفسه; بخلاف عكسه; فإنه إنما يكون محطها باعتبار وصفه; لظهور أن ليس المقصود الإخبار بأنهما كلمتان بلا ملاحظة خفيفتان ثقيلتان حبيبتان، فصار اعتبار "سبحان " خبرا أولى، وأجاب عن مقدمة تعريف "سبحان الله " إذا أريد به لفظه: بأن أنواع المعارف محصورة، وليس هو منها، ولا يمكن أن يكون علما باعتبار ما قيل: إن الألفاظ موضوعة لأنفسها; إذ لو سلم ذلك، فذلك وضع ليس له حكم، وإلا لكان كل لفظ مشتركا، ولم يقل أحد بذلك، انتهى. قلت: وهذا ليس بشيء; إذ لا شك في أن اللفظ إذا أريد نفسه، تجري عليه أحكام المعارف، من تعريف صفته، ووقوعه مبتدأ، وذا حال، وغير ذلك، فهو معرفة حكما، سواء قلنا: إنه معرفة لفظا، أو لا، وهذا يكفي في امتناع الإخبار به عن النكرة; إذ المدار على الأحكام، لا على الأسماء، وهذا ظاهر، والله تعالى أعلم .

* * *




الخدمات العلمية