الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                تفريع

                                                                                                                إن جاء أحد فوصف مثل الأول أو أقام بينة كانت له ، ولا شيء له عليك ، لأنك دفعت بأمر جائز . في التنبيهات : لم يذكر خلف الواصف ، وعليه حمل الشيوخ مذهبابن القاسم ، وقال أشهب : عليه اليمين فإن نكل فلا شيء .

                                                                                                                نظائر : قال العبدي : هذا الباب يسمى بالدليل ، وأصله قميص يوسف - عليه السلام - وهل هو كالشاهد فيحتاج معه لليمين أو كالشاهدين فلا يحتاج ؟ ومسائله أربعة : واصف اللقطة ، وتعلق المرأة برجل وهي تدمى ، وتنازع الزوجين في متاع البيت ، فما عرف أنه لأحدهما فهو له ، والحائط بين الدور ويقضى به لمن يليه وجه البناء ، فقيل : يحتاج في هذه الصور كلها لليمين ، وقيل : لا يحتاج وقد قضى بعد قميص يوسف - عليه السلام - من غير يمين ، أو ينظر إلى ضعف السبب لكونه من جهة الطالب وهو موضع تهمة ، والمتهم يحلف ، وفي النكث إن عرف العفاص والوكاء دون عدد الدنانير ، أو العفاص والدنانير دون الوكاء ، أو الوكاء دون غيره ، أخذه عند أشهب إذا حلف ، قال أشهب : وإن وصف العفاص والوكاء وأخطأ في الدنانير لم يعط شيئا . قال عبد الحق : ولا يعلم فيه خلاف ، كمن قال : له دنانير وهي دراهم ، وإن أصاب تسعة أعشار الصفة وأخطأ العشر لم يعط إلا في معنى واحد أن يصف عددا فيوجد أقل ، فإن أشهب يعطيه ، وقال : أخاف أن يكون اعتد فيها . قال التونسي : الأشبه أن الصفة دليل كاليد ، فلا بد من اليمين . قال : فإن قيل : اليمين مع المنازعة ، ولا منازع هاهنا ، قيل : اليمين بالاستبراء فيها في الصدقة على الفقير ، فإن الأصل المنع ، واليمين يمكن أن يأتي بعد فيصف أيضا كما يستبرأ ( . . . ) والغائب في قضاء ما [ ص: 120 ] يثبت عليه ، وإن اقتصر على العفاص أو الوكاء أجازه لأنه قال : ينسى الآخر ، وفيه خلاف ، بخلاف إذا أخطأ في أحدهما فوصفه بخلاف ما هو عليه ، فأصوب الأقوال : لا شيء له ، لأنه ادعى المعرفة فأكده بنفسه ، و الجاهل أو الناسي لم يكذب نفسه ، وإن وجد العدد أقل لم يضره ، لأنه قد يكون أخذ منها أو اكترى ، وغير السكة لم يعط شيئا ، وإن وصف سكة فوجدت غير مضروبة ، قال سحنون : لا يعطى حتى يذكر غير ذلك من علامة أو غيرها . ولعل سحنونا أراد أن سكة البدر ( كذا ) كلها شيء واحد ، فكاسلم ( كذا ) يأتي بصفة ، ورأى يحيى بن عمر أن يأخذها بصفة سكته ، قال أصبغ : فلو وصف واجد العفاص والوكاء وآخر عدة الدنانير فهي لواصف العفاص والوكاء لترجحه بالزيادة ، وكذلك لو لم يعرف إلا العدد لكان أحق به بعد الاستيناء ؛ لأن العدد يحصل تحصيله من السماع ، والعفاص له خصوصيات ، والعدد لا يختلف فيضعف ، واستحسن ابن حبيب أن يقسم بينهما ، كما لو اجتمعا على معرفة العفاص والوكاء ، وإذا أخذها الأول ثم وصفها آخر لم تعط له بل للأول ، لأنه قد يكون سمع الصفة من الأول ، ولو تحققنا أنه لم يسمع مثل أن يأتي بحضرة دفعنا إياها لأمكن أن يقسم بينهما بعد أيمانهما على مذهب ابن القاسم ، لأن اليد إذا علم الوجه الذي أخذت به ، ثم جاء الثاني بالمعنى الذي أخذ به الأول سقط حكم اليد ، قال ابن القاسم : إذا أخذت مال ميت بالوراثة ثم جاء آخر وادعى مثل ذلك وتكافأت بينتكما يقسم المال بينكما بعد أيمانكما ، وخالفه غيره ، وكذلك لو أخذت اللقطة بالبينة لا بالصفة ثم تكافأت البينتان فعلى مذهب ابن القاسم يوقف بينكما ، وقال أشهب : في هذا : يكون الأول ، ولو أخذت بالصفة فأقام غيرك البينة ثم أقمت البينة لقدمت ، لرجحانك بالصفة ، ويبقى في يدك ، قال عبد الملك : إذا وصفها أو أقمت البينة ، فقال الملتقط : دفعتها لمن وصفها ولا أعرفه ، ولم أشهد عليها ، ضمنها لتفريطه بالدفع بغير إشهاد ، وإذا ثبت الدفع فالخصومة بينك وبين القابض ، ولا شيء على الملتقط ، لأنه فعل ما عليه ، ولو دفعها بالصفة ولم يحلف ضمن إن فلس القابض أو عدم ، وإذا وجدت في قرية ليس فيها إلا ذمة ، قال ابن [ ص: 121 ] القاسم : تدفع لأحبارهم ، قال ابن يونس : قال أشهب : إذا أخطأ في صفته لم يعطها ، وإن وصفها مرة أخرى فأصابها ، قال أشهب : وكذلك إن نكل عن اليمين ثم عاد للحلف ، قال ابن يونس : والقول باليمين أبين استظهارا ، وقد ينكل فيكون للفقد أو لمن يأتي فيصف ، ولو عرف العفاص وحده وجهل ما سواه استبرأ . فإن جاء أحد وإلا أعطيها كما في شرط الخليطين لا يضر عدم بعض الأوصاف وقيل : لا بد من معرفة العفاص والوكاء ، ولو أخذتها ببينة بأمر السلطان أو بغير أمره ، ثم أقام آخر بينة فهي للأول كما ملكا بالتاريخ ، وإلا فلصاحب أعدل البينتين ، فإن تكافأت فلمن هي بيده ، وهو أنت مع يمينك أنها لك ، لا تعلم لصاحبك فيها حقا ، فإن نكلت حلف وأخذها ، فإن نكل فهي لك بغير يمين ، قال ابن يونس : ويحتمل عند التكافؤ أن يقسم بينكما على أصل ابن القاسم ، وإن أخذتها كالوارث يحوز قبل الوارث ، قال اللخمي : إذا ادعيتماها واتفقت صفتكما اقتسمتماها بعد أيمانكما ، وإن نكل أحدكما فهي للحالف ، قال أشهب : فإن نكلا لم تدفع لكما ، قال اللخمي : وأرى أن يقتسماها ، لأن يمين أحدكما للآخر من باب دعوى التحقيق ، فإن نكل فهي لمن حلف ، وإن نكلتما اقتسمتماها ، لأن يمين أحدكما للآخر يساوي دعواكما ، ولم يمنعاها لإمكان أن يدعيها ثالث ، وإن زاد أحدكما صفة قضي له بها ، مثل أن يصف العفاص والوكاء ويزيد الآخر العدد أو العدد ( كذا ) أو السكة ، واختلف إذا اختلفت صفاتكما ، كما يصف أحدكما الباطن : العدد والسكة . والآخر الظاهر : العفاص والوكاء . قيل : العفاص والوكاء أولى لأنه ظاهر الحديث ، وقيل : يقتسمان ، قال : وهو أبين لأن معرفة الباطن أقوى فيعارض ظاهر الحديث ، وقال عبد الملك : وإذا لم يشهد عند الدفع ثم جئت فوصفت أو أقمت البينة : إنه يضمن ، لأنه فرط ؛ يريد إذا لم يعلم دفعها إلا من قوله ، ولو علم أنها أخذت بصفة لم يكن عليه شيء ، وإن لم يشهد وجهل الآخذ ، قال صاحب القبس : قيل : العفاص والوكاء في الحديث على معنى التنبيه ، إذ لا بد له أن يذكر الأمارات من العفاص والوكاء ، وزاد ابن القاسم وأشهب : العدد ، لأنه الغاية في البيان ، وزاد ابن شعبان : السكة إذا [ ص: 122 ] اختلفت السكك ، قال : وأرى أن تكفي صفة واحدة لما في أبي داود أن عليا بن أبي طالب - رضي الله عنه - وجد دينارا . . . الحديث - إلى أن يقال فيه : فبينما هم يأكلون إذا رجل يقول : أشهد الله والإسلام ، الدينار فأعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - بعلامة واحدة ، لأنه قد يأخذه ليلا فيربطه في الظلام فلا يعرف إلا العدد ، ويقول : أنفقت من العدد ولا أدري ما بقي ، ويقول : عندي سكك لا أدري أن هذه منها ، وأما الوكاء فكنت وأحل ( كذا ) ولم يكن لها وكاء واحد ، فدليل واحد يكفيه ، ولو رأيته في الطريق يأخذها لم يكن لك الاعتراض عليه ، وهي حينئذ وديعة لجميع المسلمين ، فكيف وهي الآن وديعتك فقط . قال صاحب المقدمات : إذا وصف العفاص أو الوكاء وجهل الآخر أو غلط فيه ، فثلاثة أقوال : لا شيء له ، يستبرأ أمره فإن لم يأت أحد بأثبت مما أتى به دفعت إليه والتفرقة بين الجهل فيعطى بعد الاستبراء ، وبين الغلط فلا يعطى ، قال : وهو أعدل الأقوال .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية