الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الخامسة ، في الكتاب : إذا بعثت إليه مالا ، فقال : تصدقت به علي ، وقلت : وديعة ، وتلف المال فالرسول شاهد يحلف معه المبعوث إليه ، قيل : كيف يحلف ولم يحضر ؟ قال : كما يحلف الصبي إذا بلغ مع شاهده في دين ( . . . ) في

                                                                                                                [ ص: 150 ] التنبيهات : تأول القاضي إسماعيل شهادة الرسول مطلقا ، وقاله ابن عبد الحكم ، لأنك اعترفت أنك أمرته بالدفع ، فشهد على إقرارك ، وقال سحنون : معناه : أن المال في يد الرسول ، ولو دفعه ضمن ، أو هما حاضران والمال حاضر . ولو أنفقه المبعوث إليه امتنعت الشهادة ، لأنه يدفع الضمان عن نفسه ، وقال أشهب : تمتنع شهادته إلا أن يكون المبعوث إليه مليا ، أو قامت للرسول بينة على الدفع ، وأما إن كان معدما فلا ، وجعل بعضهم قول أشهب وابن القاسم وفاقا ، وأن كل واحد منهما تكلم على وجه . وفي النكت : قال القاضي إسماعيل : معنى قول مالك : قبول الشهادة مطلقا . لأنك وافقت الرسول على الدفع ، وإنما خالفت في الوجه الذي به قبضه الآخذ فلم يضمن الرسول ، وإنما يضمن أن لو قلت لمن أمرك فإذا ضمنته امتنعت شهادته . قال ابن يونس : وعلل أشهب أيضا بأنه دفع دفعا لم يؤمر به ، لأنه أمر أن يدفع على وجه الإيداع فدفع على وجه التمليك فتمنع شهادته ، قيل : وإذا غرم الرسول رجع على المدفوع إليه ، وإن كان عنده مظلوما ، لأنه يقول : الآمر ظلمك وأغرمني بسببك إذ لم يجد المال بيدك ، كقوله في المودع يأتيه بخط رب المال : أنه دفعه له صلة . أو أنه له . وهو لا يشك أنه خطه ، فإذا عدم المودع رجع على القابض ، وإن كان يعلم أنه مظلوم ، لأنه يقول : بسببك وصل إلى الغرم ، قال ابن يونس : ويحتمل أن الفرق بين المسألتين : أن المأمور في الأولى يتحقق تكذيب الآمر وأن المدفوع إليه مظلوم ، فلا يرجع إليه ، وفي الثانية : لا يقطع بحقيقة كذبه إذ قد يزور خطه ويعرف أمارته ، فلهذا يرجع ، وعلى أصل ابن القاسم لا يرجع ، كالمستحق من يده دابة وهو يعلم أنها تباح عند بائعها ، قال ابن القاسم : لا يرجع على البائع بالثمن ، وقد اختلف قول أشهب في هذا الأصل ، فقال : إذا قال بعثني ربها إليك لأخذها وصدقه ودفع فادعى على ضياعها وأنكرت بعثته حلفت وغرم ، لا رجوع له على الرسول ، بخلاف ما تقدم له ، وابن القاسم يرى له الرجوع هاهنا ، لأنه لم يتحقق صدقه . السادسة ، في الكتاب : إذا بعثت عبدك أو أجيرك لقبض ثمن ما بعته فقال : [ ص: 151 ] قبضته وضاع مني ولم يقم المشتري بينة بالدفع ضمن ، بخلاف من دفعت إليه مالا ليدفعه فقال : دفعته بغير بينة وصدقه المرسل إليه فيما هو من حقوقه أو وديعة قائمة بيده ، وأما ما أقر به وادعى تلفه فلا يضمن ، في التنبيهات : حمل ابن حمديس وجماعة الأندلسيين قوله إذا صدقه المرسل إليه لا يضمن إذا كان تصديقه المرسل إليه فيما هو من حقوقه أو وديعة قائمة بيده ، وأما ما أقر به وادعى تلفه وجحد القبض فيما ليس حقا له لا يبرأ الرسول إلا ببينة على القبض ، وقال ابن لبابة وغيره : لا يضمن مطلقا وهو ظاهر الكتاب وعليه اختصرها أكثرهم ، قال ابن يونس : يريد أن المال دين عليه للمرسل إليه فلا يضمن ; لأنه طلب لك وأما غير ذلك فلا يبرأ الدافع إلا ببينة ، وقال بعض الفقهاء في أول المسألة : إنما لم يصدق المشتري إلا ببينة ; لأنه لك في ذمته ولو كان أصله وديعة لصدق ، وفي الموازية : لا يصدق لدفعه .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية