( 3352 ) مسألة قال : وإن فالخصم في ذلك سيده ، وما قبض بسبب ذلك من شيء فهو رهن وجملته أنه إذا جني على الرهن ، فالخصم في ذلك سيده ; لأنه مالكه ، والأرش الواجب بالجناية ملكه ، وإنما [ ص: 244 ] للمرتهن فيه حق الوثيقة ، فصار كالعبد المستأجر والمودع ، وبهذا قال جرح العبد المرهون ، أو قتل ، وغيره . فإن ترك المطالبة ، أو أخرها ، أو كان غائبا ، أو له عذر يمنعه منها ، فللمرتهن المطالبة بها ; لأن حقه متعلق بموجبها ، فكان له الطلب به ، كما لو كان الجاني سيده . الشافعي
ثم إن كانت الجناية موجبة للقصاص ، فللسيد القصاص ; لأنه حق له ، وإنما يثبت ليستوفى ، فإن اقتص ، أخذت منه قيمة أقلهما قيمة ، فجعلت مكانه رهنا . نص عليه في رواية أحمد ابن منصور وهذا قول إسحاق ويتخرج أن لا يجب عليه شيء . وهو مذهب ; لأنه لم يجب بالجناية مال ، ولا استحق بحال ، وليس على الراهن أن يسعى للمرتهن في اكتساب مال الشافعي
ولنا ، أنه أتلف مالا استحق بسبب إتلاف الرهن ، فغرم قيمته ، كما لو كانت الجناية موجبة للمال ، وهكذا الحكم فيما إذا ثبت القصاص للسيد في عبده المرهون ، وإنما أوجبنا أقل القيمتين ، لأن حق المرتهن إنما يتعلق بالمالية ، والواجب من المال هو أقل القيمتين ، لأن الرهن إن كان أقل لم يجب أكثر من قيمته ، وإن كان الجاني أقل لم يجب أكثر من قيمته ، وإن عفا على مال صح عفوه ، ووجب أقل القيمتين ، لما ذكرنا
هذا إذا كان القصاص قتلا ، وإن كان جرحا أو قلع سن ونحوه ، فالواجب بالعفو أقل الأمرين ; من أرش الجرح ، أو قيمة الجاني . وإن عفا مطلقا ، أو على غير مال ، انبني ذلك على موجب العمد ما هو ؟ فإن قلنا : موجبه أحد شيئين . ثبت المال
وإن قلنا : موجبه القصاص عينا ، فحكمه حكم ما لو اقتص ; إن قلنا ثم : يجب قيمته على الراهن . وجب هاهنا . وهو اختيار ; لأنه فوت بدل الرهن بفعله ، أشبه ما لو اقتص . وإن قلنا : لا يجب على الراهن شيء ثم . لم يجب هاهنا شيء . وهو قول أبي الخطاب ، ومذهب القاضي لأنه اكتساب مال ، فلا يجبر عليه الشافعي
وأما إن كانت الجناية موجبة للمال ، أو ثبت المال بالعفو عن الجناية الموجبة للقصاص ، فإنه يتعلق به حق الراهن والمرتهن ، ويكون من غالب نقد البلد ، كقيم المتلفات ، فلو أراد الراهن أن يصالح عنها ، أو يأخذ حيوانا عنها ، لم يجز إلا بإذن المرتهن ، فإن أذن فيه جاز ; لأن الحق لهما لا يخرج عنهما ، وما قبض من شيء فهو رهن ، بدلا عن الأول ، نائبا عنه ، وقائما مقامه ، فإن عفا الراهن عن المال ، فقال : يسقط حق الراهن دون حق المرتهن ، فتؤخذ القيمة تكن رهنا ، فإذا زال الرهن رجع الأرش إلى الجاني ، كما لو أقر أن الرهن مغصوب أو جان القاضي
وإن استوفى الدين من الأرش ، احتمل أن يرجع الجاني على العافي ; لأن ماله ذهب في قضاء دينه ، فلزمته غرامته ، كما لو غصبه أو استعاره فرهنه ، واحتمل أن لا يرجع عليه ; لأنه لم يوجد منه في حق الجاني ما يقتضي وجوب الضمان ، وإنما استوفي بسبب كان منه حال ملكه ، فأشبه ما لو جنى إنسان على عبده . ثم وهبه لغيره ، فتلف بالجناية السابقة
وقال : يصح العفو مطلقا ، ويؤخذ من الراهن قيمته تكون رهنا ; لأنه أسقط دينه عن غريمه ، فصح ، كسائر ديونه . قال : ولا يمكن كونه رهنا مع عدم حق الراهن فيه ، فلزمته القيمة ، لتفويته حق المرتهن ، فأشبه ما لو تلف بدل الرهن أبو الخطاب
وقال لا يصح العفو أصلا ; لأن حق المرتهن متعلق به ، فلم يصح عفو الراهن عنه كالرهن نفسه ، وكما لو وهب الرهن أو غصب ، فعفي عن غاصبه . وهذا أصح في النظر ، وإن قال المرتهن : أسقطت حقي من ذلك . سقط ; لأنه ينفع الراهن ولا يضره . وإن قال : [ ص: 245 ] أسقطت الأرش . أو : أبرأت منه . لم يسقط ; لأنه ملك للراهن ، فلا يسقط بإسقاط غيره الشافعي
وهل يسقط حقه ؟ فيه وجهان ; أحدهما ، يسقط . وهو قول ; لأن ذلك يتضمن إسقاط حقه ، فإذا لم يسقط حق غيره سقط حقه ، كما لو قال : أسقطت حقي وحق الراهن . والثاني : لا يسقط ; لأن العفو والإبراء منه لا يصح . فلم يصح ما تضمنه . القاضي