الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            الضرب الثالث : أن يجمع بينه وبين أسد أو نمر ، في مكان ضيق ، كزبية ونحوها ، فيقتله ، فهذا عمد ، فيه القصاص إذا فعل السبع به فعلا يقتل مثله ، وإن فعل به فعلا لو فعله الآدمي لم يكن عمدا ، لم يجب القصاص به ; لأن السبع صار آلة للآدمي ، فكان فعله . كفعله . وإن ألقاه مكتوفا بين يدي الأسد ، أو النمر ، في فضاء ، فأكله ، فعليه القود . وكذلك إن جمع بينه وبين حية في مكان ضيق ، فنهشته فقتلته ، فعليه القود . وقال القاضي : لا ضمان عليه في الصورتين . وهو قول أصحاب الشافعي ; لأن الأسد والحية يهربان من الآدمي ، ولأن هذا سبب غير ملجئ . ولنا ، أن هذا يقتل غالبا ، فكان عمدا محضا ، كسائر الصور . وقولهم : إنهما يهربان . غير صحيح ، فإن الأسد يأخذ الآدمي المطلق ، فكيف يهرب من مكتوف ألقي إليه ليأكله ، والحية إنما تهرب في مكان واسع ، أما إذا ضاق المكان ، فالغالب أنها تدفع عن نفسها بالنهش ، على ما هو العادة وقد ذكر القاضي في من ألقي مكتوفا في أرض مسبعة ، أو ذات حيات ، فقتلته ، أن في وجوب القصاص روايتين . وهذا تناقض شديد ; فإنه نفى الضمان بالكلية في صورة كان القتل فيها أغلب ، وأوجب القصاص في صورة كان فيها أندر ، والصحيح أنه لا قصاص هاهنا ، ويجب الضمان ; لأنه فعل به فعلا متعمدا تلف به . لا يقتل مثله غالبا .

                                                                                                                                            وإن أنهشه حية أو سبعا فقتله ، فعليه القود إذا كان ذلك مما يقتل غالبا ، فإن كان مما لا يقتل غالبا ، كثعبان الحجاز ، أو سبع صغير ، ففيه وجهان : أحدهما ، فيه القود ; لأن الجرح لا يعتبر فيه غلبة حصول القتل به ، وهذا جرح ، ولأن الحية من جنس ما يقتل غالبا . والثاني : هو شبه عمد ; لأنه لا يقتل غالبا ، أشبه الضرب بالعصا والحجر . وإن كتفه وألقاه في أرض غير مسبعة فأكله سبع ، أو نهشته حية ، فمات فهو شبه عمد . وقال أصحاب الشافعي : هو خطأ محض . ولنا ، أنه فعل به فعلا لا يقتل مثله غالبا عمدا ، فأفضى إلى هلاكه ، أشبه ما لو ضربه بعصا فمات . وكذلك إن ألقاه مشدودا في موضع لم يعهد وصول زيادة الماء إليه . فأما إن كان في موضع يعلم وصول زيادة الماء إليه في ذلك الوقت ، فمات بها ، فهو عمد محض . وإن كانت غير معلومة ، إما لكونها تحتمل الوجود وعدمه ، أو لا تعهد أصلا ، فهو شبه عمد .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية