الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6611 ) فصل : وإذا قتل عبد عبدا عمدا ، فسيد المقتول مخير بين القصاص والعفو ، فإن عفا إلى مال ، تعلق المال برقبة القاتل ; لأنه وجب بجنايته ، وسيده مخير بين فدائه وتسليمه ، فإن اختار فداءه ، فداه بأقل الأمرين من قيمته أو قيمة المقتول ; لأنه إن كان الأقل قيمته ، لم يلزمه أكثر منها ; لأنها بدل عنه ، وإن كان الأقل قيمة المقتول ، فليس لسيده أكثر منها ; لأنها بدل عنه .

                                                                                                                                            وعنه رواية أخرى ، أن سيده إن اختار فداءه ، لزمه أرش الجناية ، بالغا ما بلغ ; لأنه إذا سلمه للبيع ، ربما زاد فيه مزايد أكثر من قيمته . فإن قتل عشرة أعبد عبدا لرجل عمدا ، فعليهم القصاص ، فإن اختار السيد قتلهم ، فله قتلهم ، وإن عفا إلى مال ، تعلقت قيمة عبده برقابهم ، على كل واحد منهم عشرها ، يباع منه بقدرها أو يفديه سيده ، فإن اختار قتل بعضهم والعفو عن البعض كان ذلك له ; لأن له قتل [ ص: 224 ] جميعهم والعفو عن جميعهم .

                                                                                                                                            وإن قتل عبد عبدين لرجل واحد ، فله قتله والعفو عنه ، فإن قتله ، سقط حقه ، وإن عفا إلى مال ، تعلقت قيمة العبدين برقبته ، فإن كانا لرجلين فكذلك ، إلا أن القاتل يقتل بالأول منهما ; لأن حقه أسبق ، فإن عفا عنه الأول ، قتل بالثاني . وإن قتلهما دفعة واحدة ، أقرع بين السيدين ، فأيهما خرجت له القرعة ، اقتص ، وسقط حق الآخر . وإن عفا عن القصاص ، أو عفا سيد القتيل الأول عن القصاص إلى مال ، تعلق برقبة العبد ، وللثاني أن يقتص ; لأن تعلق المال بالرقبة لا يسقط حق القصاص ، كما لو جنى العبد المرهون . فإن قتله الآخر ، سقط حق الأول من القيمة ; لأنه لم يبق محل يتعلق به ، وإن عفا الثاني ، تعلقت قيمة القتيل الثاني برقبته أيضا ، ويباع فيهما ، ويقسم ثمنه على قدر القيمتين ، ولم نقدم الأول بالقيمة ، كما قدمناه بالقصاص ; لأن القصاص لا يتبعض بينهما ، والقيمة يمكن تبعضها . فإن قيل : فحق الأول أسبق . قلنا : لا يراعى السبق ، كما لو أتلف أموالا لجماعة ، واحدا بعد واحد .

                                                                                                                                            فأما إن قتل العبد عبدا بين شريكين كان لهما القصاص والعفو ، فإن عفا أحدهما ، سقط القصاص ، وينتقل حقهما إلى القيمة ; لأن القصاص لا يتبعض . وإن قتل عبدين لرجل واحد ، فله أن يقتص منه لأحدهما ، أيهما كان ، ويسقط حقه من الآخر ، وله أن يعفو عنه إلى مال ، وتتعلق قيمتهما جميعا برقبته .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية