الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 406 ] فصل : وإذا جرح رجل ، فشهد له رجلان من ورثته غير الوالدين والمولودين ، نظرت ; فإن كانت الجراح مندملة ، فشهادتهما مقبولة ; لأنهما لا يجران إلى أنفسهما نفعا ، وإن كانت غير مندملة ، لم يحكم بشهادتهما ; لجواز أن تصير نفسا ، فتجب الدية لهما بشهادتهما ، فإن شهدا في تلك الحال ، وردت شهادتهما ، ثم اندملت ، فأعادا شهادتهما ، فهل تقبل ؟ على وجهين ; أحدهما ، لا تقبل ; لأن الشهادة ردت للتهمة ، فلا تقبل ; وإن زالت التهمة ، كالفاسق إذا أعاد شهادته المردودة بعد عدالته . والثاني : تقبل ; لأن سبب التهمة قد تحقق زواله . وللشافعي وجهان ، كهذين .

                                                                                                                                            وإن شهد وارثا المريض بمال ، ففي قبول شهادتهما له وجهان ; أحدهما ، تقبل ; لأنهما يثبتان المال للمريض ، وإن مات انتقل إليهما عنه ، فأشبهت الشهادة للصحيح ، بخلاف الجناية ، فإنها إذا صارت نفسا وجبت الدية لهما بها . والوجه الثاني : لا تقبل ; لأنه متى ثبت المال للمريض ، تعلق حق ورثته به ، ولهذا لا ينفذ تبرعه فيه فيما زاد على الثلث ، وإن شهد للمجروح بالجرح من لا يرثه ، لكونه محجوبا ، كالأخوين يشهدان لأخيهما ، وله ابن ، سمعت شهادتهما ، فإن مات ابنه ، نظرت ; فإن كان الحاكم حكم بشهادتهما ، لم ينقض حكمه ; لأن ما يطرأ بعد الحكم بالشهادة لا يؤثر فيها ، كالفسق ، وإن كان ذلك قبل الحكم بالشهادة ، لم يحكم بها ; لأنهما صارا مستحقين ، فلا يحكم بشهادتهما ، كما لو فسق الشاهدان قبل الحكم بشهادتهم .

                                                                                                                                            وإن شهد على رجل بالجراح الموجبة للدية على العاقلة ، فشهد بعض عاقلة المشهود عليه بجرح الشهود ، لم تقبل شهادته ، وإن كان فقيرا ; لأنه قد يكون ذا مال وقت العقل ، فيكون دافعا عن نفسه ، وإن كان الجرح مما لا تحمله العاقلة ، كجراحة العمد ، أو العبد ، سمعت شهادة العاقلة بجرح الشهود ; لأنهما لا يدفعان عن أنفسهما ضررا ، فإن موجب هذه الجراحة القصاص أو المال في ذمة الجاني ، وكذلك إن كان الشاهدان يشهدان على إقراره بالجرح ; لأن العاقلة لا تحمل الاعتراف . وإن كانت شهادتهما بجراح عقله دون ثلث الدية خطأ ، نظرنا ; فإن كانت شهادة العاقلة بجرح الشهود قبل الاندمال ، لم تقبل ; لأنها ربما صارت نفسا فتحملها العاقلة ، وإن كانت بعده ، قبلت ; لأنها لا تحمل ما دون الثلث .

                                                                                                                                            وإن كان الشاهدان بالجرح ليسا من العاقلة في الحال ، وإنما يصيران من العاقلة التي تتحمل أن لو مات من هو أقرب منهما ، قبلت شهادتهما . ذكره القاضي ; لأنهما ليسا من العاقلة ، وإنما يصيران منها بموت القريب ، والظاهر حياته . وفارق الفقير إذا شهد ; لأن الغني ليست عليه أمارة ، فإن المال غاد ورائح . ومذهب الشافعي في هذا الفصل كله على نحو ما ذكرنا . ويحتمل أن يسوى بين المسلمين ; لأن كل واحد منهما ليس من العاقلة في الحال ، وإنما يصير منها بحدوث أمر لم يتفق الآن سببه ، فهما سواء ، واحتمال غنى الفقير ، كاحتمال موت الحي ، بل الموت أقرب ، فإنه لا بد منه ، وكل حي ميت ، وكل نفس ذائقة الموت ، وليس كل فقير يستغني ، فما ثبت في إحدى الصورتين يثبت في الأخرى ، فيثبت فيهما جميعا وجهان ، بأن ينقل حكم كل واحدة من الصورتين إلى الأخرى .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية