الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6376 ) فصل : وإن اشترى أمة ، فأعتقها قبل استبرائها ، لم يجز أن يتزوجها حتى يستبرئها . وبهذا قال الشافعي . وقال أصحاب الرأي : له ذلك . ويحكى أن الرشيد اشترى جارية ، فتاقت نفسه إلى جماعها قبل استبرائها ، فأمره أبو يوسف أن يعتقها ويتزوجها ويطأها . قال أبو عبد الله : وبلغني أن المهدي اشترى جارية ، فأعجبته ، فقيل له : اعتقها وتزوجها . قال أبو عبد الله : سبحان الله ، ما أعظم هذا ، أبطلوا الكتاب والسنة ، جعل الله على الحرائر العدة من أجل الحمل ، فليس من امرأة تطلق أو يموت زوجها إلا تعتد من أجل الحمل ، وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم استبراء الأمة بحيضة من أجل الحمل ، ففرج يوطأ يشتريه ، ثم يعتقها على المكان ، فيتزوجها ، فيطؤها ، يطؤها رجل اليوم ويطؤها الآخر غدا ، فإن كانت حاملا كيف يصنع ؟ هذا نقض الكتاب والسنة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : { لا توطأ الحامل حتى تضع ، ولا غير الحامل حتى تحيض } . وهذا لا يدري أهي حامل أم لا . ما أسمج هذا ، قيل له : إن قوما يقولون هذا : فقال : قبح الله هذا ، وقبح من يقوله . وفيما نبه عليه أبو عبد الله من الأحاديث كفاية مع ما ذكرنا فيما قبل هذا الفصل .

                                                                                                                                            إذا ثبت هذا ، فليس له تزويجها لغيره قبل استبرائها ، إذا لم يعتقها ; لأنها ممن يجب استبراؤها ، فلم يجز أن يتزوج ، كالمعتدة ، وسواء في ذلك المشتراة من رجل يطؤها ، أو من رجل قد استبرأها ولم يطأها ، أو ممن لا يمكنه الوطء ، كالصبي والمرأة والمجبوب . وقال الشافعي : إذا اشتراها ممن لا يطؤها ، فله تزويجها ، سواء أعتقها أو لم يعتقها ، وله أن يتزوجها إذا أعتقها ; لأنها ليست فراشا ، وقد كان لسيدها تزويجها قبل بيعها ، فجاز ذلك بعد بيعها ، ولأنها لو عتقت على البائع بإعتاقه أو غيره ، لجاز لكل أحد نكاحها ، فكذلك إذا أعتقها المشتري .

                                                                                                                                            [ ص: 119 ] ولنا عموم قوله عليه السلام : { لا توطأ حائل حتى تستبرأ بحيضة } . ولأنها أمة يحرم عليه وطؤها قبل استبرائها ، فحرم عليه تزويجها والتزوج بها ، كما لو كان بائعها يطؤها . فأما إن أعتقها في هذه الصورة ، فله تزويجها لغيره ; لأنها حرة لم تكن فراشا ، فأبيح لها النكاح ، كما لو أعتقها البائع ، وفارق الموطوءة ; فإنها فراش يجب عليها استبراء نفسها إذا عتقت ، فحرم عليها النكاح ، كالمعتدة ، وفارق ما إذا أراد سيدها نكاحها ، فإنه لم يكن له وطؤها بملك اليمين ، فلم يكن له أن يتزوجها ، كالمعتدة ، ولأن هذا يتخذ حيلة على إبطال الاستبراء ، فمنع منه ، بخلاف تزويجها لغيره .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية