الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6295 ) مسألة قال : ( فإن التعن هو ، ولم تلتعن هي ، فلا حد عليها ، والزوجية بحالها ) وجملة ذلك أنه إذا لاعنها ، وامتنعت هي من الملاعنة ، فلا حد عليها . وبه قال الحسن ، والأوزاعي ، وأصحاب الرأي .

                                                                                                                                            وروي ذلك عن الحارث العكلي وعطاء الخراساني وذهب مكحول ، والشعبي ، ومالك ، والشافعي ، وأبو عبيد ، وأبو ثور ، وأبو إسحاق الجوزجاني ، وابن المنذر ، إلى أن عليها الحد ; لقول الله تعالى : { ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات } والعذاب الذي يدرؤه لعانها ، هو الحد المذكور في قوله سبحانه : { وليشهد عذابهما طائفة من [ ص: 75 ] المؤمنين } ولأنه بلعانه حقق زناها ، فوجب عليها الحد ، كما لو شهد عليها أربعة .

                                                                                                                                            ولنا ، أنه لم يتحقق من زناها ، فلا يجب عليها الحد ، كما لو لم يلاعن ، ودليل ذلك أن تحقق زناها لا يخلو إما أن يكون بلعان الزوج ، أو بنكولها ، أو بهما ، لا يجوز أن يكون بلعان الزوج وحده ; لأنه لو ثبت زناها به ، لما سمع لعانها ، ولا وجب الحد على قاذفها ، ولأنه إما يمين ، وإما شهادة ، وكلاهما لا يثبت له الحق على غيره ، ولا يجوز أن يثبت بنكولها ; لأن الحد لا يثبت بالنكول ، فإنه يدرأ بالشبهات ، فلا يثبت بها ; وذلك لأن النكول يحتمل أن يكون لشدة خفرها ، أو لعقلة على لسانها ، أو غير ذلك ، فلا يجوز إثبات الحد الذي اعتبر في بينته من العدد ضعف ما اعتبر في سائر الحدود ، واعتبر في حقهم أن يصفوا صورة الفعل ، وأن يصرحوا بلفظه ، وغير ذلك ، مبالغة في نفي الشبهات عنه ، وتوسلا إلى إسقاطه ، ولا يجوز أن يقضى فيه بالنكول الذي هو في نفسه شبهة ، لا يقضى به في شيء من الحدود ولا العقوبات ، ولا ما عدا الأموال ، مع أن الشافعي لا يرى القضاء بالنكول في شيء ، فكيف يقضي به في أعظم الأمور وأبعدها ثبوتا ، وأسرعها سقوطا ، ولأنها لو أقرت بلسانها ، ثم رجعت ، لم يجب عليها الحد فلأن لا يجب بمجرد امتناعها من اليمين على براءتها أولى ، ولا يجوز أن يقضى فيه بهما ; لأن ما لا يقضى فيه باليمين المفردة ، لا يقضى فيه باليمين مع النكول ، كسائر الحقوق ، ولأن ما في كل واحد منهما من الشبهة لا ينتفي بضم أحدهما إلى الآخر ، فإن احتمال نكولها ، لفرط حيائها وعجزها عن النطق باللعان في مجمع الناس ، لا يزول بلعان الزوج ، والعذاب يجوز أن يكون الحبس أو غيره ، فلا يتعين في الحد ، وإن احتمل أن يكون هو المراد ، فلا يثبت الحد بالاحتمال ، وقد يرجح ما ذكرناه بقول عمر رضي الله عنه ، إن الحد على من زنى وقد أحصن ، إذا كانت بينة ، أو كان الحمل ، أو الاعتراف .

                                                                                                                                            فذكر موجبات الحد ، ولم يذكر اللعان . واختلفت الرواية فيما يصنع بها ; فروي أنها تحبس حتى تلتعن أو تقر أربعا . قال أحمد : فإن أبت المرأة أن تلتعن بعد التعان الرجل ، أجبرتها عليه ، وهبت أن أحكم عليها بالرجم ; لأنها لو أقرت بلسانها لم أرجمها إذا رجعت ، فكيف إذا أبت اللعان ، ولا يسقط النسب إلا بالتعانهما جميعا ; لأن الفراش قائم حتى تلتعن ، والولد للفراش . قال القاضي : هذه الرواية أصح . وهذا قول من وافقنا في أنه لا حد عليها ; وذلك لقول الله تعالى : { ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله } فيدل على أنها إذا لم تشهد لا يدرأ عنها العذاب . والرواية الثانية ، يخلى سبيلها . وهو قول أبي بكر ; لأنه لم يجب عليها الحد ، فيجب تخلية سبيلها ، كما لو لم تكمل البينة .

                                                                                                                                            فأما الزوجية ، فلا تزول ، والولد لا ينتفي ما لم يتم اللعان بينهما ، في قول عامة أهل العلم ، إلا الشافعي ، فإنه قضى بالفرقة ونفي الولد بمجرد لعان الرجل . وقد ذكرنا ذلك .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية