الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6844 ) الفصل الثالث : أن الغرة عبد أو أمة . وهذا قول أكثر أهل العلم . وقال عروة ، وطاوس ، ومجاهد : عبد أو أمة أو فرس ; لأن الغرة اسم لذلك ، وقد جاء في حديث أبي هريرة ، قال : { قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة عبد أو أمة أو فرس أو بغل } . وجعل ابن سيرين مكان الفرس مائة شاة ، ونحوه قال الشعبي ; لأنه روي في حديث { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل في ولدها مائة شاة } . رواه أبو داود .

                                                                                                                                            وروي عن عبد الملك بن مروان ، أنه قضى في الجنين إذا أملص بعشرين دينارا ، فإذا كان مضغة ، فأربعين ، فإذا كان عظما ستين ، فإذا كان العظم قد كسي لحما فثمانين ، فإن تم خلقه وكسي شعره فمائة دينار . قال قتادة : إذا كان علقة فثلث غرة ، وإذا كان مضغة فثلثي غرة . ولنا ، { قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في إملاص المرأة بعبد أو أمة } ، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضية على ما خالفها . وذكر الفرس والبغل في الحديث وهم انفرد به عيسى بن يونس ، عن سائر الرواة ، فالظاهر أنه وهم فيه ، وهو متروك في البغل بغير خلاف ، وكذلك في الفرس ، وهذا الحديث الذي ذكرناه أصح ما روي فيه ، وهو متفق عليه ، وقد قال به أكثر أهل العلم ، فلا يلتفت إلى ما خالفه .

                                                                                                                                            وقول عبد الملك بن مروان ، تحكم بتقدير لم يرد به الشرع ، وكذلك قتادة ، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق بالاتباع من قولهما . إذا ثبت هذا فإنه تلزمه الغرة ، فإن أراد دفع بدلها ورضي المدفوع إليه ، جاز ; لأنه حق آدمي ، فجاز ما تراضيا عليه وأيهما امتنع من قبول البدل ، فله ذلك ; لأن الحق فيها ، فلا يقبل بدلها إلا برضاهما . وتجب الغرة سالمة من العيوب ، وإن قل العيب ; لأنه حيوان وجب بالشرع ، فلم يقبل فيه المعيب ، كالشاة في الزكاة ، ولأن الغرة الخيار ، والمعيب ليس من الخيار . ولا يقبل فيها هرمة ، ولا ضعيفة ، ولا خنثى ، ولا خصي ، وإن كثرت قيمته ; لأن ذلك عيب . ولا يتقدر سنها ، في ظاهر كلام الخرقي . وهو قول أبي حنيفة .

                                                                                                                                            وقال القاضي ، وأبو الخطاب ، وأصحاب الشافعي : لا يقبل فيها من له دون سبع سنين ; لأنه يحتاج إلى من يكفله له ويحضنه ، وليس من الخيار . وذكر بعض أصحاب الشافعي ، أنه لا يقبل فيها غلام بلغ خمسة عشر سنة ; لأنه لا يدخل على النساء ، ولا ابنة عشرين ; لأنها تتغير . وهذا تحكم لم يرد الشرع به فيجب أن لا يقبل . وما ذكروه من الحاجة إلى الكفالة باطل بمن له فوق [ ص: 319 ] السبع ، ولأن بلوغه قيمة الكبير مع صغره ، يدل على أنه خيار ، ولم يشهد لما ذكروه نص ، ولا له نظير يقاس عليه ، والشاب البالغ أكمل من الصبي عقلا وبنية ، وأقدر على التصرف ، وأنفع في الخدمة ، وقضاء الحاجة ، وكونه لا يدخل على النساء إن أريد به النساء الأجنبيات ، بلا حاجة إلى دخوله عليهن ، وإن أريد به سيدته ، فليس بصحيح ، فإن الله تعالى قال : { ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات } إلى قوله : { ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض } .

                                                                                                                                            ثم لو لم يدخل على النساء ، لحصل من نفعه أضعاف ما يحصل من دخوله ، وفوات شيء إلى ما هو أنفع منه لا يعد فواتا ، كمن اشترى بدرهم ما يساوي عشرة ، لا يعد فواتا ولا خسرانا ، ولا يعتبر لون الغرة . وذكر عن أبي عمرو بن العلاء ، أن الغرة لا تكون إلا بيضاء ، ولا يقبل عبد أسود ، ولا جارية سوداء . ولنا ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بعبد أو أمة ، وأطلق مع غلبة السواد على عبيدهم وإمائهم ، ولأنه حيوان يجب دية ، فلم يعتبر لونه ، كالإبل في الدية .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية