الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            النوع السابع : أن يتسبب إلى قتله بما يقتل غالبا ، وذلك أربعة أضرب : أحدها ، أن يكره رجلا على قتل آخر ، فيقتله ، فيجب القصاص على المكره والمكره جميعا ، وبهذا قال مالك . وقال أبو حنيفة ، ومحمد : يجب القصاص على المكره دون المباشر ; لقوله عليه الصلاة والسلام : { عفي لأمتي عن الخطإ والنسيان وما استكرهوا عليه } . ولأن المكره آلة للمكره ، بدليل وجوب القصاص على المكره ، ونقل فعله إليه ، فلم يجب على المكره ، كما لو رمى به عليه فقتله . وقال زفر : يجب على المباشر دون المكره ; لأن المباشرة تقطع حكم السبب ، كالحافر مع الدافع ، والآمر مع القاتل .

                                                                                                                                            وقال الشافعي : يجب على المكره ، وفي المكره قولان . وقال أبو يوسف : لا يجب على واحد منهما ; لأن المكره لم يباشر القتل ، فهو كحافر البئر ، والمكره ملجأ ، فأشبه المرمي به على إنسان . ولنا ، على وجوبه على المكره ، أنه تسبب إلى قتله بما يفضي إليه غالبا ، فأشبه ما لو ألسعه حية ، أو ألقاه على أسد في زبية . ولنا ، على وجوبه على المكره ، أنه قتله عمدا ظلما لاستبقاء نفسه ، فأشبه ما لو قتله في المخمصة ليأكله . وقولهم : إن المكره ملجأ . غير صحيح ، فإنه متمكن من الامتناع ، ولذلك أثم بقتله ، وحرم عليه ، وإنما قتله عند الإكراه ظنا منه أن في قتله نجاة نفسه ، وخلاصه من شر المكره ، فأشبه القاتل في المخمصة ليأكله . وإن صار الأمر إلى الدية ، وجبت عليهما ، وبه قال الشافعي .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة ، ومحمد : لا دية على المكره ; بناء منهما على أنه آلة . وقد بينا فساده ، وإنما هما شريكان ، يجب القصاص عليهما جميعا ، فوجبت الدية عليهما ، كالشريكين بالفعل ، وكما يجب الجزاء على الدال على الصيد في الإحرام والمباشر ، والردء والمباشر في المحاربة . فعلى هذا ، إن أحب الولي قتل أحدهما ، وأخذ نصف الدية من الآخر ، أو العفو عنه ، فله ذلك .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية