[ ص: 240 ] مسألة : قال : ( وإذا قطع يديه ورجليه ، ثم عاد فضرب عنقه قبل أن تندمل جراحه ، قتل ، ولم تقطع يده ولا رجلاه ، في إحدى الروايتين عن ، رحمه الله . والرواية الأخرى ، قال : إنه لأهل أن يفعل به كما فعل . فإن عفا عنه الولي ، فعليه دية واحدة ) وجملة ذلك أن أبي عبد الله ، فالكلام في المسألة في حالين ; أحدهما ، أن يختار الولي القصاص ، فاختلفت الرواية عن الرجل إذا جرح رجلا ، ثم ضرب عنقه قبل اندمال الجرح في كيفية الاستيفاء ; فروي عنه ; لا يستوفي إلا بالسيف في العنق . وبه قال أحمد ، عطاء ، والثوري ، وأبو يوسف ; لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { ومحمد } رواه لا قود إلا بالسيف . . ولأن القصاص أحد بدلي النفس ، فدخل الطرف في حكم الجملة ، كالدية ، فإنه لو صار الأمر إلى الدية ، لم تجب إلا دية النفس ; ولأن القصد من القصاص في النفس تعطيل الكل ، وإتلاف الجملة ، وقد أمكن هذا بضرب العنق ، فلا يجوز تعذيبه بإتلاف أطرافه ، كما لو قتله بسيف كال ، فإنه لا يقتل بمثله . ابن ماجه
والرواية الثانية عن ، قال : إنه لأهل أن يفعل به كما فعل . يعني أن للمستوفي أن يقطع أطرافه ، ثم يقتله . وهذا مذهب أحمد ، عمر بن عبد العزيز ، ومالك ، والشافعي ، وأبي حنيفة ; لقول الله تعالى : { وأبي ثور وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } وقوله سبحانه : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } . ولأن النبي صلى الله عليه وسلم { } ولأن الله تعالى قال : { رض رأس يهودي لرضه رأس جارية من الأنصار بين حجرين . والعين بالعين } . وهذا قد قلع عينه ، فيجب أن تقلع عينه ، للآية .
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { } . ولأن القصاص موضوع على المماثلة ، ولفظه مشعر به ، فوجب أن يستوفي منه مثل ما فعل ، كما لو ضرب العنق آخر غيره . فأما حديث : { من حرق حرقناه ، ومن غرق غرقناه } . فقال لا قود إلا بالسيف : ليس إسناده بجيد . الحال الثاني : أن يصير الأمر إلى الدية ، إما بعفو الولي ، أو كون الفعل خطأ ، أو شبه عمد ، أو غير ذلك ، فالواجب دية واحدة . وهذا ظاهر مذهب أحمد . وقال بعضهم : تجب دية الأطراف المقطوعة ودية النفس ; لأنه لما قطع بسراية الجرح بقتله صار كالمستقر ، فأشبه ما لو قتله غيره ; ولهذا لم يسقط القصاص فيه . الشافعي
ولنا ، أنه قاتل قبل استقرار الجرح ، فدخل أرش الجراحة في أرش النفس ، كما لو سرت إلى نفسه ، والقصاص في الأطراف على إحدى الروايتين لا يجب ، وإن وجب فإن القصاص لا يشبه الدية ; لأن سراية الجرح لا تسقط القصاص فيه ، وتسقط ديته . ( 6650 ) فصل : ومتى قلنا : له أن يستوفي بمثل ما فعل بوليه . فأحب أن يقتصر على ضرب عنقه ، فله ذلك ، [ ص: 241 ] وهو أفضل . وإن قطع أطرافه التي قطعها الجاني ، أو بعضها ، ثم عفا عن قتله ، فكذلك ; لأنه تارك بعض حقه . وإن قطع بعض أطرافه ، ثم عفا إلى الدية ، لم يكن له ذلك ; لأن جميع ما فعل بوليه لا يجب به إلا دية واحدة ، فلا يجوز أن يستوفي بعضه ويستحق كمال الدية ، فإن فعل فله ما بقي من الدية ، فإن لم يبق منها شيء ، فلا شيء له .
وإن قلنا : ليس له أن يستوفي إلا بضرب العنق . فاستوفى منه بمثل ما فعل ، فقد أساء ، ولا شيء عليه سوى المأثم ; لأن فعل الجاني في الأطراف لم يوجب عليه شيئا يختص بها ، فكذلك فعل المستوفي ، إن قطع الجاني طرفا واحدا ، ثم عفا إلى الدية ، لم يكن له إلا تمامها ، وإن قطع ما تجب به الدية ، ثم عفا ، لم يكن له شيء ، وإن قطع ما يجب به أكثر من الدية ، ثم عفا ، احتمل أن يلزمه ما زاد على الدية ; لأنه لا يستحق أكثر من دية ، وقد فعل ما يوجب أكثر منها ، فكانت الزيادة عليه . واحتمل أن لا يلزمه شيء ; لأنه لو قتله لم يلزمه شيء ، فإذا ترك قتله ، وعفا عنه ، فأولى أن لا يلزمه شيء ، ولأنه فعل بعض ما فعل بوليه ، فلم يلزمه شيء ، كما لو قلنا : إن له أن يستوفي مثل ما فعل به .