الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6959 ) مسألة : قال : ( وفي اليد الشلاء ثلث ديتها ، وكذلك العين القائمة ، والسن السوداء ) اليد الشلاء : التي ذهب منها منفعة البطش . والعين القائمة : التي ذهب بصرها وصورتها باقية كصورة الصحيحة . واختلفت الرواية عن أحمد فيهما ، وفي السن السوداء ، فعنه ، في كل واحدة ثلث ديتها . روي هذا عن عمر بن الخطاب ، ومجاهد . وبه قال إسحاق .

                                                                                                                                            وعن زيد بن ثابت ، في العين القائمة مائة دينار . والرواية الثالثة عن أحمد ، في كل واحدة حكومة . وهذا قول مسروق ، والزهري ، ومالك ، والشافعي ، وأبي ثور ، والنعمان ، وابن المنذر ; لأنه لا يمكن إيجاب دية كاملة ، لكونها قد ذهبت منفعتها ، ولا مقدر فيها ، فتجب الحكومة فيها ، كاليد الزائدة . ولنا ، ما روى عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : { قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في العين القائمة السادة لمكانها بثلث الدية ، وفي اليد الشلاء إذا قطعت ثلث ديتها ، وفي السن السوداء إذا قلعت ثلث ديتها . } رواه النسائي ، وأخرجه أبو داود في العين وحدها مختصرا .

                                                                                                                                            وقول عمر رضي الله عنه رواه قتادة عن خلاس ، عن عبد الله بن بريدة ، عن يحيى بن يعمر ، عن ابن عباس ، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى في العين القائمة إذا خسفت ، واليد الشلاء إذا قطعت ، والسن السوداء إذا كسرت ، ثلث دية كل واحدة منهن . ولأنها كاملة الصورة ، فكان فيها مقدر كالصحيحة ، وقولهم : لا يمكن إيجاب مقدر . ممنوع ; فإنا قد ذكرنا التقدير وبيناه . ( 6960 ) فصل : قال القاضي : قول أحمد ، رحمه الله : في السن السوداء ، ثلث ديتها . محمول على سن ذهبت منفعتها ، بحيث لا يمكنه أن يعض بها الأشياء ، أو كانت تفتتت ، فأما إن كانت منفعتها باقية ، ولم يذهب منها إلا لونها ، ففيها كمال ديتها ، سواء قلت منفعتها ، بأن عجز عن عض الأشياء الصلبة بها أو لم يعجز ; لأنها باقية المنفعة ، فكملت ديتها ، كسائر الأعضاء ، وليس على من سودها إلا حكومة .

                                                                                                                                            وهذا مذهب الشافعي . والصحيح من مذهب أحمد ما يوافق ظاهر كلامه ; لظاهر الأخبار ، وقضاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقول أكثر أهل العلم ، ولأنه ذهب جمالها بتسويدها ، فكملت ديتها على من سودها ، كما لو سود وجهه . ولم يجب على متلفها أكثر من ثلث ديتها كاليد الشلاء وكالسن إذا كانت بيضاء فانقلعت ، ونبت مكانها سوداء ، لمرض فيها ، فإن القاضي وأصحاب الشافعي ، سلموا أنها لا تكمل ديتها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية