الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

نظرات في مسيرة العمل الإسلامي

عمر عبيد حسنة

معنى تطبيق الشريعة

ولقد كان طبيعيا جدا أن تتزامن المطالبة بتطبيق شريعة الله في عالم المسلمين بكل جوانبها، السياسية والاجتماعية والثقافية والقضائية والأخلاقية مع حركة المد الإسلامي بعد هـذه السنوات الطويلة من التجارب المريرة، والغربة الموحشة، والرحلة الشاقة من القهر والظلم والاستعمار والتسلط، وبعد أن بددت طاقات المسلمين وأهدرت كرامتهم، ومزقت أشخاصهم، وأكلت مواردهم، وسقطوا فريسة لأعدائهم، وبعد أن حكم على إسلامهم - الذي كان سبب حضاراتهم ووجودهم التاريخي عمليا - بعدم الصلاحية، وطرح جانبا وأقصي عن مجالات الحياة وتنظيمها حتى بدأت تسوغ ذلك فلسفات، وفرضت عليهم شرائع وقوانين لا تمت إليهم بنسب، والذي ضمن لها البقاء والاستمرار إنما هـو حراب الاستعمار، والأيدي التي انتقلت إليها هـذه الحراب في عصر ما بعد الاستعمار.. [ ص: 112 ]

والأمر الذي نحب أن يكون واضحا ابتداء وخاصة لأولئك الذين لا يرون من حكم الإسلام إلا الجانب العقابي، ولا يفهمون من تطبيق الشريعة إلا قطع يد السارق ورجم الزاني وقتل القاتل، وينظرون إلى ذلك من خلال سلوكهم وممارساتهم.. ومن خلال المجتمعات القائمة بكل ما فيها من سرقة أموال وانتهاك أعراض واستباحة دماء، فيخرجون بنتيجة أن المجتمع الإسلامي المنشود تملؤه مجموعة من المشوهين والمطاردين بسوط الإرهاب الديني.. نريد أن نوضح لهؤلاء أن تطبيق الشريعة أو المطالبة بتطبيقها لا يعني أبدا إقامة الحدود فقط، ذلك أن الحدود لم تشرع لإقامة المجتمع المسلم، وأن الاقتصار عليها لا يقيم المجتمع الإسلامي، ولا يعني قيام المجتمع الإسلامي، كما يتراءى لبعض البسطاء من المسلمين حيث يخادعون بذلك، وإنما شرعت لحماية المجتمع الإسلامي ووقايته؛ ذلك أن المطالبة بتطبيق الشريعة تعني أول ما تعني: التربية الإسلامية للفرد، والشورى في الحكم، والطاعة في غير معصية للحاكم، ورفض الاستبداد السياسي مهما كان، والعدل والمساواة في القضاء، وإباحة التملك بالوسائل المشروعة، وتحريم الربا والميسر والاحتكار، والتربية العسكرية الجهادية وسريان روح الجهاد والاستشهاد والاستعداد قدر الطاقة في الدفاع عن الأمة وحماية الفضيلة من أن يعبث بها أو يعتدى عليها..

أما الفهم المبتور من بعض البسطاء، أو تصوير المجتمع الإسلامي بأنه مجتمع السيوف المشرعة والسكاكين القاطعة، مجتمع الاقتصار على إيقاع العقوبات، ومن ثم لا يحكم الإسلام بعد ذلك أمور الحياة ولا ينظمها، فهذه قضية على غاية من الخطورة والإساءة للإسلام نفسه.. ذلك أن اليد التي تحارب الإسلام فكريا في مكان قد تكون هـي اليد نفسها التي تحاول تطبيقه بشكل مشوه وفهم معوج في مكان آخر لتقتل أي أمل في التطلع إلى حكم الإسلام بعد رؤية هـذه النماذج المشوهة من تطبيقات الشريعة. [ ص: 113 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية