الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

نظرات في مسيرة العمل الإسلامي

عمر عبيد حسنة

بصائر لمأساة المسلمين

بعد هـذه الحقائق والبدهيات التي أتينا على ذكرها نعود إلى القراءة في خبر سرية عبد الله بن جحش رضي الله عنه التي تشكل سبب النزول لقوله تعالى:

( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير ) (البقرة: 217) إلى آخر الآيات لنساهم من خلال حادث السيرة الذي نحن بصدده ببعض البصائر لأبعاد مأساة المسلمين التي يعيشونها أو للواقع الذي يعانون منه على أكثر من صعيد.

وأول ما يطالع الإنسان فيها ما كان من استنكار لسلوك المسلمين من [ ص: 95 ] القتال في الشهر الحرام واستغلال ذلك وإلحاق المعرة بهم والتضخيم من هـذا الخطأ حتى كاد يغطي على سلسلة أخطاء الكفار وجرائمهم التي لا نهاية لها، وما كان من جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المثل والقدوة ( قل قتال فيه كبير ) (البقرة: 217) من اعتراف بالخطأ وبأنه خطأ كبير لا شك في ذلك. وهنا لا بد من وقفة بسيطة وهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقتصر على معرفة الخطأ وترميمه وذلك بإيقاف الغنيمة والتفكير بدفع دية القتيل، بل تجاوز المعرفة إلى الاعتراف الصريح المعلن بالخطأ وبحجم الخطأ أيضا ( قل قتال فيه كبير ) (البقرة: 217) .

وفي اعتقادنا أن التنبه لهذه القضية على غاية من الأهمية والخطورة.. ذلك أن اجتهاد بعض من مسلمي اليوم: أن أمر أن التستر على الخطأ والسكوت عنه في العمل الإسلامي ضرورة تنظيمية وخطة استراتيجية ومصلحة إسلامية، ذلك أن الخطأ إذا كشف استطاع العدو أن يوظفه لمصلحته ضد مصلحة الإسلام والمسلمين، وكان بمثابة النوافذ التي يتسلل منها العدو وذلك بمعرفته المقاتل إلى جانب خلخلة الصف المسلم الذي يكون في نهاية المطاف لمصلحة أعداء الإسلام..

أما بعضهم الآخر فيرى أن التستر على الخطأ أمر مهلك للأفراد والجماعات وسبب انقراض المجتمعات البشرية وسقوط الحضارات، ومورث للعن الذي لحق بني إسرائيل ، بسبب عدم تناهيهم عن المنكر، وأن مخاطر وسلبيات الاعتراف بالخطأ ومطاردته وما يحدثه، ومن ثم تصويبه لا يمكن أن تقاس بما يترتب على التستر عليه من هـلاك وإهلاك.

إن الاعتراف بالخطأ وتصويبه وتقويمه هـو سلامة في البناء وصلابة في القاعدة وإقامة للمجتمع على تقوى من الله ورضوان.. وإن التستر عليه والسكوت عنه بحجة عدم التشويش في الوسط وعدم الخلخلة في الصف المسلم من أوهام الإنسان وتلبيس الشيطان.. فالحق أحق أن يتبع، والتناصح والاعتراف وسيلة لاستقامة البناء المتين، والتستر لون من الخداع والمخادعة والورم الكاذب قال تعالى: ( قل قتال فيه كبير ) (البقرة: 217) .

وفي تقديرنا: أن في خبر سرية عبد الله بن جحش رضي الله عنه حل للمعادلة التي قد تبدو في ظاهرها صعبة نوعا ما، وإغناء للتصور الذي يمكن من الحكم [ ص: 96 ] الصحيح وإضاءة هـامة على طريق الحل.. ذلك أن المشكلة التي نعاني منها أن المجتمعات الإسلامية بدأت على أكثر من مستوى رحلة الانسلاخ من الإسلام كثمرة للغزو الفكري والتضليل الثقافي والتغريب الحضاري إلى درجة أصبح معها الإسلام غريبا أي: مستغربا مستنكرا على ما ألفه الناس، من صور الإسلام التي صنعت لهم، وأن الدعاة إلى الله أصبحوا غرباء في مجتمعهم وغرباء في سلوكهم الذي بات يستهجن ويستغرب ويوصم بشتى الصفات كالجمود والتشدد والتعصب والتطرف إلى آخر هـذه المصطلحات، والأمر ليس جديدا فلكل عصر مصطلحاته، ولقد اتهم الرسول صلى الله عليه وسلم من المجتمع الجاهلي بتهم شتى وكان كل من يخرج عن عقائد وعادات هـذا المجتمع إلى الإسلام يسمى صابئا، ولا يكون هـذا من أعداء الإسلام فحسب وإن كانوا وراء القضية، بل من بعض المسلمين البسطاء الذين لم يألفوا هـذا الفهم للإسلام.

التالي السابق


الخدمات العلمية